بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آب 2020 12:00ص القيمة السردية والجمالية في «اسكتشات» الفنانة كارلا صياد

من أعمالها من أعمالها
حجم الخط
تلتقط الفنانة اللبنانية «كارلا صياد» (Carla Sayad) التفاصيل البصرية من حولها في رسومات سردية ذات مشهديات غنية بالتعبير الحي مرئيا أو في «استكشات» بصرية توضيحية للكثير من الأمكنة، وتخضع لمعايير تشكيل المعنى في واقع غني بالحدث الذي يثيرها فنيا، كرسومات بيروت ومرفأها وشوارعها وأزقتها الضيقة، والحارات التراثية، كأنها ترصد كل ما تحتويه بيروت من جماليات لا تقتصر فقط على التفاصيل، بل على الرسم السريع بخطوط القلم الرفيعة أو العريضة للتجذّر في الصورة المرسومة من اللحظات الحاسمة، لحاضر يصبح من الماضي، لكنه يؤرشف الأثر وفق البناء السردي وقيمته الذي تنتهجه «كارلا صياد» في رسوماتها أو الأحرى (اسكتشاتها)، مما يرفع من القيمة السردية والجمالية في رسوماتها، ويجعلها في تطوير بصري مستمر متجانس مع اللحظات المصيرية، كأنها ترسم الخرائط الجغرافية بوضوح تستكمله فنيا بواقع حياتي واجتماعي، ما هو إلا السرد البصري لتأثيرات فنية تُعطى للرؤية قوة في الإدراك والفهم الفني. فهل رسوماتها لمدينة بيروت وشوارعها هي رصد سردي لما كانت تعجُّ به بيروت وخاصة مرفأها؟ أم أنها ترسم كل دقيقة تستند على الوجود ومساراته البحثية المبتكرة في خربشاتها القادرة على التقاط الحس الإنساني من خلال الأشكال السردية، والبصرية التي ترسمها بدقة الملاحظة، وببساطة تلقائية ينتجها قلم الرسم بين أصابعها، لتوجه في كل صورة ترسمها خطابا فنيا عن مدينة بيروت خاصة، ومن ثم عن المدن الأخرى مثل رسمتها التي بعنوان أخ بيروت.

يستكشف المتأمّل لرسوماتها قيمة التواصل الثري بين الفنان والأمكنة التي تثير حواسه خاصة كتلك التي تساهم في رفع المعاناة عن أماكن تم تدميرها أو عن الأماكن التي تفتقد لبصمتها، وبحركة تعبيرية بصرية تحليلية تمنحنا ايديولوجيا جمالية لذاكرة تحفظها رسومات «كارلا صياد» مع الأحاسيس الناتجة عن اللحظة التي رسمتها فيها، وتجسّد قيمة الالتقاط البصري في الرسم بعيداً عن التصوير الفوتوغرافي، لأن رسوماتها تتميّز بقوة الأحساس جماليا، والناتجة عن الدقة في تحوّلات السمات المرسومة الواقفة أمامها، والمتمثلة في المساحات التي تختصرها، لتخلق حوارات في مشهديات أو الأحرى (سكتش) هي اختصارات قادرة على تحديد ما تريده من انعكاسات حسية، لتوثيق توضيحي هو خطاب حر من قلم يتحرر من قيود الرسم والمعايير التي تقيّد اللوحة. فهل تحرر قلم كارلا تاركاً لنا الكثير من الرسومات عن بيروت وأزقتها وخاصة مرفأها الذي رسمته بتجديد مستمر؟

لا تفتقد سكتشات «كارلا صياد» المعنى الفني ولا الجمالية البصرية، إذ تتضمن جمالية تذوقية تتدفق منها التحليلات المرئية المرتبطة بالأبعاد الاجتماعية أو الجغرافية، وكأنها تعيد إنتاج لحظة الحاضر، باستمرارية فنية تساهم في تشكيل المكان وفق تقنية تصويرية ذات بُعد ايديولوجي بعيداً عن عوامل الصراعات التي تتسبب في التدمير الذي تخفيه من وجهة نظرها بالتعبير عن التقارب بين الطوائف والمذاهب عبر الجامع والكنيسة في بيروت من خلال لوحة أو الأحرى رسمة أخ بيروت أو حتى جمال الاشرفية وغيرها من الرسومات التي تحمل الكثير من الرسائل البصرية القادرة على خلق رؤية سردية تحاكي الحواس من خلالها بسلاسة الرسم وتطويعه في ترجمة مشاعر الأمكنة، وكأن كل مكان ترسمه هو كائن حي مؤلف من الخطوط والخربشات، والقليل من الألوان التي تمزجها سريعا بشفافية، وبنهج تصويري لا يخلو من تعبيرات الواقع بعيداً عن الجمود والقساوة، لتبقي على حيوية ما ترسمه وفق المنظور الفني مستثمرة المساحات في تكوين الزوايا التي تمزجها مع الأحساس بالوجود وقوة البقاء.





dohamol@hotmail.com