بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيار 2024 12:00ص المُكافحة للنجاة في «قبضة الماضي» للكاتبة روزي والش

حجم الخط
يلاحقنا الماضي المغلّف بكذبة قمنا بها لنكمل الحياة بتجدد دون أن نصحح الخطأ أو - على الأقل - أن لا نكذب على شريك الحياة الذي نؤسس معه أسرة، فالتصادم الحقيقي في الواقع هو ما بين ماضينا وحاضرنا، خاصة إن كان الماضي يحمل الكثير من الأخطاء،  والحاضر بنمو الوعي الزمني فيه جعلنا نهرب بدافع من الإحساس بالاستمرار بالحب أو بالنجاح. فالكاتبة «روزي والش» تجذبنا إلى بؤرة الصراع النفسي قبل البناء العائلي مع زوج هو كاتب نعي،  كما أنه اكتشف في أوراق الماضي أنه ابن بالتبنّي لأهل رفضوا طلب الأم الحقيقية لقاء ابنها الذي تبنّوه برغبة منها. فهل الإثارة والغموض والحب والكفاح من أجل الاستمرار في السعادة هم في قبضة الماضي دائما؟ أم أن آفة الكذب تدمّر الحياة برمّتها بين المحبين والأزواج وحتى بين الأهل والأصحاب؟
تركيبة خيالية تحتل الكذبة فيها قوة سردية مبنية على معنى الكذب وأثره في تدمير العلاقات بين الناس، كما أن الكاتبة روزي والش تتبع خطوات الكثير من الأدباء القدماء الذي بُنيت سردياتهم على الكذب مثل رواية جاك وأختي إضافة إلى مقاومة المرض وعدم الاستسلام له إذ «من الصعب التأمل في دورة الحياة من منظور شخص يحاول إنجاب طفل منذ سنوات من دون جدوى، لكن الأصعب من ذلك التأمل في دورة الحياة من منظور شخص مصاب بالسرطان، بل هي مهمة شبه مستحيلة». فهل  التركيبة الروائية لرواية قبضة من الماضي خرجت من عباءة ستندال وبلزاك وإفساد العلاقات الحميمية أو حتى الاجتماعية بالكذب؟ وهل من مأساوية نتجت عن كذبة كانت السبب في التدمير الذي ذكرته إيما عند بداية معرفته بليو؟ وهل كل هذا من مميزات الأدب الرومانسي المرتبط بالكذب بعيداً عن كونه غير مرتبط بنوايا الخداع وإنما الكذب لحماية النفس والاستمرار بالحياة عبر قناع نحمي به أنفسنا؟ فهل مارست آيما في رواية «قبضة الماضي» أسوأ أنواع الكذب؟
خيبة أمل مرضية في عمقها التحليلي ومخيفة لدرجة تُشعر أنه «من الأفضل أن تموت وأمورك مرتبة» لزوج غير مصاب بمرض عضوي وإنما هو الشك أن كل شيء من حوله كذب، إذ تتخذ سردية الرواية منحى مختلفاً لزوجين هما ليو وأيما، فالأب هو كاتب نعي على صفحات جريدة يعمل فيها من أجل الاستمرار في رعاية زوجته وابنته وهم في عيش مطمئن إلى أن يكتشف أن المرأة التي يعشقها لا يعرفها حق المعرفة وكأنه في لحظة اكتشافه هذه قد تعرى كليا، فزوجته عالمة الأحياء البحرية، والمُستكشفة في المناطق الساحلية عن السرطانات النادرة تربطها علاقة مع رجل قبل أن تعرفه وتتزوجه، وتُرزق بطفلتهما روبي التي بدأ يشك بعلاقة الدم التي تربطه بها، على الرغم من أن ليو نشأ في دائرة الكذبة العائلية إن يمكن تسميتها بالكذبة، لأنه ابن بالتبنّي وهذا ما أيقظ الماضي في نفس أيما عندما شعرت أن أبنها نشأ بالتبني وسط عائلة بعد أن تخلّت عنه، لأنها أصيبت باكتئاب بعد الولادة وحاولت خنقه. فهل أسس علاقتنا مع المقرّبين إلينا تحتاج للصدق المطلق؟ أم أنه يصعب البداية - من جديد - بعد كل أزمة أسرية نُصاب بها ؟ وما هو المقياس الحقيقي للكذب في حيواتنا التي تتشكل تبعا للنفس وما يصيبها من مشكلات يصعب التعامل معها بمصداقية كاملة ؟ وهل عدم الانتماء الأسري هو معضلة حقيقية للشخص الذي يعيش حالات التذبذب في الانتماء العائلي؟ وما الرابط بين الكذب والشعور بالانتماء في هذه الرواية؟
رواية حديثة في أدب رومانسي مع كاتبة طرحت قضية اجتماعية وأسرية مهمة بأسلوب رومانسي لا يخلو من انتقادات شاملة في العلاقات كافة بدء من كاتب نعي هو ليو الرجل الذي جعلها تُشفى من أزمات سابقة في الماضي، وصولا إلى حياة ابنها الذي كَبُر بعيدا عنها وابنتها من حبيبها وزوجها الذي كذبت عليه وأخفت عنه الماضي، وكل ذلك في فضاءات سردية مبتكرة رغم أنها أعادتني إلى روايات ستندال ومساوئ الكذب في بناء الحياة التي نعيشها. فهل إحياء واقع الكذب في الروايات الرومانسية هو ضرورة في الأدب الروائي؟ أم أن روزي والش استطاعت إدخال القارئ إلى عمق روايته في حيلة غزلتها ببراعة نفسية عن معنى الكذب وأثره على النفس والتخبط الذي يعيش الكاذب خوفا من كشف الحقيقة؟ وهل خالفت روزي والش الحقائق السردية في الأدب الرومانسي بأسلوب متين جمع بين الكلاسيكية والحداثة؟