بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 تشرين الثاني 2023 12:00ص المصوّر الصحفي على خط النار مرآة لوجع الناس

لقطة عن استهداف الإعلاميين خلال معارك الجنوب لقطة عن استهداف الإعلاميين خلال معارك الجنوب
حجم الخط
في الحروب يترقّب العالم صور من أرض الميدان توثّق الأحداث والواقع الأليم بكاميرات المصورين الصحفيين الذي يعرّضون أنفسهم للخطر في سبيل التقاط الحدث. إنّه العمل الصحفي الميداني مقابل فائض الألم الواقعي: صحفيون ومصورون يرصدون في عملهم الميداني مشاهد مؤثّرة فيكون لهم العدو بالمرصاد الداهم، وما سقوط الزملاء الصحفيين بالأمس فرح عمر وربيع معماري سوى دليل على قوة العمل الصحفي، هذا العمل الذي قام به المصورون منذ اللحظات الأولى لإندلاع الحرب استطاع أن يؤثر على الرأي العام العالمي نظراً لما حملت الصورة من مصداقية وحزن ومعاناة، وقد أدرك العدو أهمية دور الصحافي وقوة صورته لذلك كان الإستهداف المتعمّد له كونه شاهداً على توثيق الحقيقة وتتبّعها ونقلها إلى العالم. هناك مثل قديم يقول بأنّ «الصورة تساوي ألف كلمة»، لا بل تساوي ألف وجع وألف قصيدة.
مما لا شك بأنّ عدسة المصورين الصحفيين شكّلت صدى صوت الضحايا في غزة وغيرها بدليل هذا الانتقال الواسع للكثير من الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي لقصص الحزن والدمار التي هزّت الإنسانية جمعاء. وما قطع الإنترنت إلّا لدليل على قوة الصورة وبالتالي لمنع تأثيرها من الوصول إلى الرأي العام العالمي. جريدة «اللواء» تسلّط الضوء على جنود خلف الشاشة على المصورين الذين هم أكثر العاملين في المجال الإعلامي عرضة للخطر، وحقوقهم وأمنهم وإنسانيتهم. فهل يتساوى السعي وراء لقمة العيش مع حياتهم وهم أمام عدو يوجه لهم السلاح لقتلهم عن عمد، كما حصل منذ أيام وكما حصل أيضاً مع المصور اللّبناني عصام العبدالله في الثالث عشر من اكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إنّ تحديات الوضع الوظيفي تتعاظم في الحرب لما تشكّل هذه الأخيرة من خطورة على حياتهم، إلّا أنّ ذلك لا ينفي وجودها في الأساس خصوصاً في الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمرّ به لبنان. بين الوضع الوظيفي للمصور الصحفي قبل حرب غزة والتوتر الأمني في جنوب لبنان وما بعده، تلتقي «اللواء» نقيب المصورين الصحفيين في لبنان علي علوش لتسأله:
{ منذ أيام دعت نقابة المصورين الصحفيين في لبنان المؤسسات الإعلامية لاتخاذ إجراءات استباقية لحماية طواقهما في الميدان. هل يدرك المصور الصحفي بأنه في ذهابه إلى جبهة القتال كأنه ذاهب إلى حتفه؟ وبالتالي ما هي الضمانات للمصور الصحفي في حال تعرّض للإعاقة الجسدية أو حتى للاستشهاد؟
- لا شك بأنّ أغلب المصورين هم في وعي كافٍ عند اختيارهم للمهنة، أو لنفترض العكس، فبعد سنوات من الخبرة يعي المصور الصحفي على ما يقدم عليه من أماكن يختارها للتصوير، مثال على ذلك: سمعت من يومين الجريح البطل المصور اللبناني إيلي برخيا يقول: بأنه لا يصدّق متى يُشفى لكي يعود إلى الميدان في الجنوب. وأنا أقول بأنّ إيلي برخيا من أكثر المصورين في عالمنا العربي حرفة وحكمة لكنه تعرّض للإصابة، إذاً صحيح يذهب المصور الصحفي وهو مدرك مدى خطورة الوضع.
أمّا جواباً على الجزء الثاني من السؤال فأستطيع القول بأنّ بعض المؤسسات الإعلامية تهدر حق الإعلامي وليس فقط المصور، عندما لا تجهّز المؤسسة الإعلامية صحافييها لا على المستوى النفسي، ولا على مستوى التقنيات الحديثة إضافة إلى عدم وجود ضمانات كتأمينات حياة في حال الحرب. فكل ذلك يجعل الصحافي يواجه الموت من أكثر من جهة. نحن كنقابة فقيرة لا يأتينا المال لا من الدولة ولا من أي جهة أخرى. إنما أستطيع أن أحمي المصور من خلال الدعم المعنوي والمطالبة بحقوقه، وقد سبق أن طلبت من وزير الإعلام بأنّ تقوم المؤسسات الإعلامية في لبنان بما يُسمى «تأمين حرب» للمصورين الصحفين.
وتتابع «اللواء» حديثها مع النقيب علوش لتسليط الضوء على دور الصحفي في ظل المخاطر الكثيرة التي يتعرض لها في جبهات القتال نظراً لطبيعة عملهم التي تجبرهم على الاقتراب قدر الإمكان من مكان الحدث للالتقاط الصورة في اللحظة المناسبة وللحصول على التفاصيل الدقيقة في آن. بناء عليه لا يقتصر عمل هؤلاء الصحفيين على الدور المهني بل يتخطّاه إلى العمل الإنساني والمساعدة على إسعاف الجرحى، فإلى أي مدى أثّرت وتؤثّر هذه الحرب في المصور الصحفي؟
- لا بدّ للمصور الصحفي بأنّ يكون عنده رسالة، فهو إنسان وهو عين المجتمع وعين الناس وبالتالي ترى هذه العين أين الصواب لما فيه مصلحة الإنسانية. نحن كمصورين صحفيين غير منفصلين بتاتاً عن رسالتنا الإنسانية. خصوصاً عندما نكون على خط النار نتحول إلى مرآة لوجع الناس. لكن علينا التمييز بين مدرستين: الأولى تحوّل التصوير إلى عمل جرمي وتخريب وقائع الجريمة، ومدرسة ثانية تعتمد النزاهة وتصوّر الحقيقة. المشكلة هنا لا تكمن في المصور الذي يتدخل في المشهد ويركّبه بل في بعض المؤسسات الإعلامية التي تقبل بل وتتدخل لتشويه الحقيقة. كل ذلك تبعا لثقافة وأخلاق المؤسسة الإعلامية.
{ وإلى أي مدى أثّرت الصور التي تصلنا من غزة في الرأي العام العالمي لتقوم المظاهرات وتطالب بوقف هدر دماء الأطفال؟
- أستطيع القول بأنّ الصورة مهمة جداً في وقف أو إشعال الحرب. كما أنّ الصورة مهمة جداً في يد المفاوض. هناك جيوش تقوم بتشويه الحقيقة، لكنّ حجم الدمار الكبير الذي حدث في غزة، واضح لدرجة بأنّ الصورة لا يمكن حجبها. التصوير يجب أن يتم لتوثيق الحقيقة، أمّا النشر فيتم تبعاً لمعايير أخلاقية يأخذها المصور بالإعتبار. في هذا الإطار، أؤكد بأنّ قتل الصحفيين يتم عن عمد وأنا أعلم بالتفصيل ما حصل مع الشهيد عصام العبدالله والزملاء الذين أصيبوا عند الحدود الجنوبية حيث أنّ العدو تقصّد قتلهم.
توازياً، تواصلت «اللواء» مع المصور الصحفي عماد حمودي المتواجد حالياً ومنذ الثامن من تشرين الأول الفائت في الجنوب اللبناني لتسأله عن الدور الحيوي الذي يقوم به في الميدان والخطر محدّق أمامه، فأخبرنا:
- «أنا أغطي الحروب منذ العام 1978 إلى اليوم والأرض علّمتني كيف أنتبه على نفسي على الجبهة وبالتالي أحاول قدر المستطاع أن أحمي نفسي وأحمي أصدقائي. المهم أن أكون هادئاً غير متوتر، حذراً ومترقّبا، شجاعاً وغير مغامر. أستطيع القول بأنّه في هذه الحرب لست خائفاً وأسلّم نفسي لمشيئة ربي. فأنا ابن الجنوب وهذه قضيتي وأعتبر أنّ عملي هو جزء من دفاعي عن وطني بغض النظر عن المردود المادي الزهيد. أؤكد بأنني غطيت حروب كثيرة لكنّ هذه الحرب وخصوصاً في غزة فظيعة لناحية الدمار والمجازر في حق الأطفال والنساء والأبرياء، فالعالم كلّه رأى من خلال كاميرات وفيديوهات المصورين الصحفيين حجم المعاناة وهول الكارثة. أمّا عن دورنا كمصورين صحفيين فهو لا يقتصر على الناحية المهنية فقط بل يتخطّاه إلى الناحية الإنسانية. كونني إبن الجنوب أحاول تحذير الزملاء من الأماكن الخطرة وأنّ أمدّهم بالمساعدة وأن أكون خير دليل لهم».