بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الثاني 2024 12:00ص المقاهي والتثاقف!

حجم الخط
ارتبطت المقاهي بكثير من الأعمال الأدبية العربية التي رصدت عوالمها وتصرفات روادها وحالاتهم الاجتماعية والثقافية على اعتبارهم نموذجا مصغّرا يشمل شرائح المجتمع.
ينسب اكتشاف القهوة إلى أحد الرعاة الذي كان يرعى قطيعه في سفح أحد الجبال فلاحظ بعض العنزات ترعى اوراق شجيرة وتأكل حبوبها، فلم تلبث أن أصيبت بحالة من الخدر. ذهل الراعي، وقرّر أن يتذوّق حبوب تلك الشجيرة، وبذلك تم اكتشاف القهوة، إذ اتضح أن هذا النبات هو البن. أما مكان اكتشافه فكان اليمن السعيد!
أصبحت القهوة مشروبا عاديا في معظم البيوت العربية مع مطلع القرن السابع عشر، وبدأت تغزو أوروبا منذ ذلك الحين. أما التبغ الذي أصبح أيضا من أساسيات المقاهي، فيرقى اكتشافه إلى اكتشاف أميركا في أواخر القرن الخامس عشر حين لاحظ الأوروبيون سكان القارة الجديدة يدخنون هذه المادة التي تخلق دوارا خفيفا ومنها انتقل التبغ إلى أوروبا ثم إلى الشرق وسائر أنحاء العالم. وأما النارجيلة فهي مشتقة من النارجيل وهو اسم يطلق على جوز الهند وقد سمّاها المصريون «الجوزة». صنعت النارجيلة في بداياتها من جوزة الهند مفرغة مثقوبة من طرفيها ثم تطورت إلى شكلها الحالي.
على الرغم من تواصل كتاباتي اليومية، ردتُ المقاهي على وجه شبه يومي ولما أزل. ديدني الاطّلاع على نبض الحياة في الوطن وتحت كل سماء. أحاول، ما استطعت، أن أردّ بعض الشيء هجمات التخلّف وأعزز الروح النقدية لدى أبناء جلدتي لئلا يظل بعضهم متقهقرين أو يستمر بعضهم الآخر في الغرق في أمواج حضارات أو ممارسات ملتوية. ما يهمّني في لقاءاتي فكتاباتي، أن أجعل ناسنا ينهضون من سباتهم وينفضون عن مناكبهم غبار الذل والاستلاب.
ارتياد المقاهي عادة مستحبة، وهي، في أدنى الحالات، تنبّه بقهوتها الأذهان وتستنهض الهمم على الرغم من أن الدخان قد يجلب بعض الأمراض. وقد تشهد بعض مقاهينا الصامدة ولادة تيارات فكرية وأدبية وحتى سياسية تقوم فعلا بدورها الفاعل والمؤثر في أعماق المواطن المأزوم على العموم.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه