بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيلول 2023 12:00ص بين الهمزة والفكرة!

حجم الخط
الهمزة عقدة يحار حتى الكتّاب في حلّها. فهي تارة تكتب على الواو، وتارة على نبرة، وحينا تكون فوق الألف، وحينا تحتها. وكثيرا ما تأتي مفردة بلا مركز. وهذا التغيير الطارئ على الهمزة، أمر تضيق به أذهان النشء، فيعرضون عنه، موقنين ان أحوال الهمزة أمر غامض، لا سبيل الى الوقوف على كنهه، مهما بذلوا من جهد، وانفقوا من وقت ومال.
والحقيقة ان الهمزة شغلت علماء اللغة زمنا طويلا، وأثارت الجدل بين البصريين والكوفيين حقبة كبيرة، وكانت موضوعا للأخذ والرد والمناقشة في المجامع العلمية، وفي حلقات النقد ومجالس الأدب. فكان كل فريق يدلي بحجّته ويؤيّد برهانه ويعزّز نظريته، من غير أن يتوصل أحد منهم الى حل حاسم.
وعندي ان علماءنا الأعلام، لو انصرفوا الى معالجة الشؤون الفلسفية والإبداعية، بقدر انصرافهم الى معالجة الهمزة، وطريقة كتابتها في الابتداء والوسط والطرف، وقبل حروف المد، وبعد حروف الانفصال والاتصال وسواها، لتوصلوا الى ابداعات جليلة، إنشاء وتحليلا، وربما كان في مقدورهم أن يكتشفوا ما لم يكتشفه مبدعو الغرب.
أجل، ينبغي أن نتفق على قواعد عامة راسخة من مثل قاعدة حالات الهمزة المتوسطة. أدعو الى أن يقرر جماعة من الثقات، قواعد يرونها أقرب الى الصواب وأدنى الى الفهم والحفظ. وهكذا يستند إليها كل كاتب ومتحدث، بعد أن يكونوا قد جلّوها بطريقة استنباطية جديدة.
مما يدعو الى المسرّة والارتياح، ان محاولة تبسيطية قمت بها في جامعات وطنية وأجنبية، من هذا القبيل، قد جعلت كتابة الهمزة والقواعد عموما مستساغة مستحبة، ما قد يقصّر عنه كثير من حملة الشهادات العالية عندنا. وهذه الطريقة تعتمد قبل كل شيء على الإيضاح العملي المستند الى مقابلة الأمثلة وتحليلها تحليلا بسيطا يؤدي الى استنباط القاعدة الجليّة. الطريقة معدّة من أجل الطالب أكثر من العكس... أهملت ما يمكن الاستغناء عنه، ولم اختر ألفاظا صعبة، ولا تراكيب طويلة معقّدة، ولم أحفل بالشروح المملّة، التي يمجّها ذوق الطالب ويأباها طبعه. آثرت التركيز على الإبداع في ذاته دعما للمقاربة الجليّة الطليّة... أهم ما في الأمر هو الفائدة من دروس لغوية عبر إبداع المبدعين وبعيدا عن ادّعاء المدّعين.
ليست القواعد ألعوبة خطرة نتقاذفها لنجمّد الحياة أو ندمّرها، بل هي تحت أقدام أجيال صاعدة فعلا تتراكض لملاقاة عوالم الفكر والنور.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه