بيروت - لبنان

2 تشرين الثاني 2023 12:00ص بين الواقع والمرتجى

حجم الخط
في عالم يجتاحه إعلام في غير موضعه، بات الغموض سيد الموقف يملأ فضاءنا ولا يدع مجالا للحركة والتفكير. أصوات يتردد صداها في آذاننا وأشباح تمرُّ أمام عيوننا كراقصات في عرس أو كنائحات في جنازة. لكل منا، بلا شك، مساهمة ما في النقاش الدائر حول مستقبل البشرية، ولكن، من الصعوبة المحافظة على رؤية واضحة جليّة من هذا القبيل. فقد سدّت في وجوهنا المسالك وقيّدت خطواتنا فانتصبنا في أمكنتنا كأصنام تجمهرت حولها مئات العابدين، في حين أدخلوا في خلدنا أنهم المصدر الأول والأخير على هذه الفانية.
معظم قومنا خصوصا لا يسوغون لأنفسهم أن يبحثوا عن الحقيقة، لأن ثمة شؤونا أشدّ إلحاحا ينبغي لهم الاضطلاع بها كأن يمضوا إلى أشغالهم ويعنوا بأطفالهم أو يحنوا على كبار السن من أهلهم. الثابت أن التاريخ لا يلاطف ولا يرحم. ولئن كان مستقبل البشرية يقرر في غيابنا - لأننا جدّ منشغلين بإطعام أولادنا وإلباسهم - فنحن وهم لسنا البتّة في مأمن من تبعاته، ومع ذلك يأخذنا الزهو ونعبث بالنشوة. هل هذا ظلم؟ أجل، ومن قال إن التاريخ عادل؟
لن تبلغ حكمتنا حدّها، وسيظل اهتمام الخيّرين أولا بإعطاء الطعام والكساء. ولكن، لا تزال إنسانيتنا قابلة لتكثيف الجهود وإحداث نقلة نوعية ذات طابع أخلاقي.
يمكننا، نحن معشر الكتّاب، أن نوفّر للبشرية مزيدا من الأنوار ونساهم في المساواة بين الحقوق والواجبات. هكذا، يمتدّ إهتمامنا ويتّسع ليغمر كل حياتنا كموجة جارفة للجاه الأجوف والتسلّط الأرعن. «والمستعلي عند الناس رجس عند الله».
وليكفّ بعض النافذين عندنا عن الترنّح والدوران وكأنهم جرعوا خابية من الخمر فيما استحال حتى ما يدور في فلكهم جهنم بعينها.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه