5 كانون الأول 2023 12:00ص تجنّبوا المراءاة (٢)

حجم الخط
ثمّة سياسيون وتجّار والصيارفة يجسّدون عندنا حالة المراءاة بأبشع صورها وأحطّ معانيها. وكثيرا ما يتظاهرون بالمودّة الصافية، والولاء المتين. فيسمعونك أعذب عبارات المديح والإطراء، ويقسمون لك بأعزّ ما يملكون، أنهم رمز الاخلاص ومثال الوفاء والاستقامة. ولا تكاد تثق بهم وتؤمن بكلامهم حتى ينقلبون وحوشا ضارية، دأبهم نهش الناس والتنديد بهم والطعن في أخلاقهم وتشويه سمعتهم.
يتستّر أحدهم أحيانا باتهام مرّائين آخرين، فهو وحده الشريف العفيف النظيف، وأهل بيته وحدهم الأتقياء الأنقياء المنزّهون عن الشبهات... أما سواهم، فهم الأدنياء الساقطون الملوّثون بوحول الإثم والفجور.
وقد ترى مخلوقا آخر، تتوسّم فيه الخير، لما يبدو من صمته ورزانته، ولما يظهره أمامك من خجل وحياء، ولا تكاد تعرفه عن كثب، حتى تنقشع تلك الغيمة التي كانت تستر حقيقته، فإذا به كرفيقه ذو وجهين، يطعن في أقفية الناس، وينسج حولهم أحاديث لحمتها الوهم، وسداها النميمة والتضليل. ولو عقل ذلك المخلوق، لعلم أن ما يزرعه اليوم سيحصده غدا، وان من يرمي غيره بالمعايب، لا بد من أن يرمى بأقبح ما رمى به سواه. فالعدالة تنتقم، والشرير مجزي بشره عاجلا أو آجلا.
مما لا شك فيه أن أمثال هذين المخلوقين كثيرون في مجتمعنا، فهم ينسابون إلى أحضان الأسر، كما تنساب الأفاعي، حتى إذا اطمأن إليهم أصحاب القلوب الطيبة، وذوو النيّات السليمة، كشّروا عن أنيابهم، ونفثوا سمومهم القاتلة، في تلك الأسر، التي غرّها منهم اللين وحلاوة اللسان، فكان الندم المقيم، والحسرة الدائمة، جزاء لها، ومكافأة لحسن نيّتها، وصفاء سريرتها. هل يصحّ فينا حتى الساعة قول الشاعر العربي في المرائي الخبيث:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب؟!...

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه