بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 حزيران 2022 12:00ص جهينة العوام - محمود عبد الغني.. «واو الدهشة»

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
تنطلق معظم الروايات التي كُتبت، في مطلع الألفية الثالثة، من الإتجاهات الجديدة التي تبنّتها، في الفكر والفلسفة، وكذلك من الفسحات السوسيولوجية والأنطولوجية والفلسفية. والتي هي غالبا، ما تتبلور في المساحات الجديدة، التي يخلّفها وراءه، السؤال الفلسفي.
ذلك أن الفلاسفة، كانوا قد شيّدوا، منذ العصر اليوناني، العمارات الفلسفية، المتعددة والمتنوعة، وطرحوا عليها، خلال الحقبات التاريخية الطويلة، مشكلات وإشكالات، وفق ما كان بين أيديهم، من مركبات وحمولات متنوعة. فكانت أن أنزلت الفلسفة، المتعالي إلى الأرض. وإنفتحت بالتالي، على ساحة المختلف، والمسكوت عنه. وكذلك إنفتحت على عالم المقامات والمحايثة والمواجدة، ساعية إلى تفكيك مداخل الواقع الإجتماعي والسياسي. فحلّ بذلك عالم الممكنات، محل جغرافيا الأشياء. فطاولت الأنطولوجيا والسوسيولوجيا والأنتربولوجيا، ما يتصل بالسلوك الإتصالي والتواصلي، وذلك عبر نظرية نقدية، لتفكيك النظرية، وإعادة البناء من جديد، للمشروعية وللدولة وللحداثة على حد سواء.
في هذا الإطار تأتي رواية: «واو الدهشة. جهينة العوام - محمود عبد الغني. فواصل. ط١: 2018.- الفرات للنشر والتوزيع. رأس بيروت. بناية بخعازي. شارع عبلة: 162ص تقريبا»، حيث تنفتح الفلسفة، لتدخل عوالم جديدة، في زمن إنغلاق الخطاب المعاصر وتخندقه وراء مختلف دعوات التمايز، وأطروحات النهايات. نقرأ في «واو الدهشة - ص20»:
(أنا الوريثة المختارة لحكاية «رجا العارف»، لدفتر قديم كتب عليه مذكراته الشخصية. وإستفاض فيها، بالحديث عن أمه وأبيه وقريته. ودفتر آخر كتب فيه مذكرات بسيطة، في رحلته إلى البرازيل. مع صور وخرائط ولوحات رسمها هناك. وشهادات وجرائد، وطبوعات دورية. والأهم كرتونة كبيرة فيها كل نتاج جبران وصوره).
في «واو الدهشة»، تساؤل عن ماهية الفلسفة، وكذلك عن ربط الفلسفة بالأرض، وبالإقليم. وما إتصل ذلك بمفاهيم الجيوفلسفي، والمحايثة وسبر الفضاءات، وعلاقة الفلسفة بالسوسيولوجيا، وإجتراح حقول القوى والأمكنة الإجتماعية. ناهيك عن الموافقة التواصلية، والعقل التواصلي، في مسعاه، لإعادة البناء، أو التأسيس الجديد لنظرية التواصل. نقرأ في مكان آخر من «واو الدهشة - ص75»:
(في بعلبك، كان رجا دليلي لتهجي عشق مدينة الشمس. شرح لي الكثير عن آثار هذه المدينة، وإستفاض. الإبتسامة على وجهه صارت أكثر وضوحا، حسب مقياس فخرية للفرح. هو سعيد، لكن بأجنحة متكسرة).
محاولة جهينة العوام ومحمود عبد الغني، في «واو الدهشة»، إنما تتناول عوالم أخرى أيضا، ترتكز على التقابل بين الذات والآخر. وكذلك على دعاوى وأطروحات التمايز والإختلاف، كما تظهر في الفلسفة العربية. فهي، إنما تهتم بدعوات التأسيس لفلسفة عربية متميزة، تركّز على الذات، وعلى الخصوصية والتربة المعرفية المغايرة. تقول الرواية - ص112:
(ماذا حلّ بنا؟ نأكل وجبات التردد ونترك له كل الأمل. ماذا حلّ بنا؟ لا نأتي العمر إلا واللعنة تحت إبطنا مسنونة).
ينطلق الكتاب إذا، من مسعى نقدي، يؤسّس لكونية الهم الإنساني، وغايته رسم صورة جديدة للفكر، ومقام للتشييد المختلف، بحيث لا ينتفي فيه الآخر، ولا تنمحي فيه الذات. نقرأ أيضا من «واو الدهشة - ص138»:
(صباح آخر، السماء ليست على ما يرام، تبدو مشوّشة وفاقدة لذوقها في ترتيب صباحات شهية. سأصعد لرجا، سأقابله، وليحدث ما يحدث. منذ قليل رأيتها ترحل. البناية تدلّ على ذوق رفيع. كنت أسمع دقات قلبي السريعة. بعد قليل سأرى بعيني أسطورتي الذاتية، جوهرتي المخفية تحت أتربة النسيان. ترى كيف تبدو يا سيد رجا؟).
ففلسفة الكتاب/ الرواية، بصورة مطلقة، إنما تستحث على التفاعل والتبادل الإنساني، المفضي إلى دروب الخلق والتشييد، لعالم جديد، رحب الجوانب، يشترك فيه الجميع، لأنه يقع في الأساس، ضمن نطاق مؤسساته.

أستاذ في الجامعة اللبنانية