بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 شباط 2024 12:00ص حالات طوارئ أدبية!

حجم الخط
نشهد اليوم حالات طوارئ عندنا، وان تأبّد أصحابها في مواقعهم ومناصبهم! والطارئون المغمورون أحيانا، غافلون عن جوهر دورهم الذي لهثوا وراءه أساسا ليل نهار. وجوهر «دورهم» هذا أنهم وجدوا ليكونوا في خدمة الأكثرية من ناسهم نموا وازدهارا وإبداعية تؤمّنهما!
قال علي: اني أرى الرجل فيعجبني، فأسأل هل له عمل؟ فإن قيل لا، سقط من عيني.
ونحن اليوم في زمن يسأل عن المبدع، فإن أورد اسمه خلوا من النعوت نبذ وسقط من العيون ما لم يكن من الجنس اللطيف المتصابي و/أو المتبوكسن. وإن ذكر يخفره حرس من الألقاب، خفضت له الهام احتراما وأحلّ المقام الرفيع. مع أن هذه الألقاب وتلك النعوت، أصبحت في أكثر الحالات لا تعني شيئا، إذ لا تمثل حقيقة ولا تدلّ على فضل، وغدا حكمها كحكم كل شيء تسقط قيمته متى كثر، وترتفع متى قلّ!
ما استدرجنا إلى هذه الكلمة، ما نريد أن نقوله في هذا الوباء الأخلاقي الذي فشا في الناس -وهم قبائل- وتناول معظم أدبائنا، نعني به الدعوة والدعوى والاثرة والتفيّش. قلنا معظمهم ولم نقل كلهم، لأننا لم نعدم والحمد للّه، فئة تشابه السنبلة المثقلة كلما ازدادت معرفة واختبارا ونضوجا، ازدادت وقارا وتواضعا وإنتاجا، وندرك أن الزهرة العطرة يفوح عطرها وإن أخفتها عن الأنظار الأشواك والأدغال، وان الزهرة اللاعطرة لا يرجى طيبها وإن علت الصدور المنتفخة على غير طائل ووضعت على الرفوف. وإنما نعني الفئات الوقواقة التي تقلق الناس كلما خطّت حرفا أو لفظت كلمة، لأنها لا تكتب حبّاً بالأدب أو رغبة في النفع، بل لتجعل من الكلمة التي تلقيها أو الصفحة التي تسوِّدها (مع كسر الواو وتشديدها) ، بوقاً يزمّر باسمها.
نريد أدباء يغارون على الأدب، لانه أدب أولا، ويفقهون أن الأديب الحقيقي هو الذي يكتب مدفوعا بقلبه وروحه كما يغرّد الطائر مدفوعا بطبعه واتباعا لمشيئة الناموس الكليّ. ونريد أدباء ينظرون إلى الأدب نظرة جديّة، كما كل شيء، ويتوخون منه غير ما يتوخى التاجر من عرض سلعته، لأن الأدب شوق في النفس ولجاجة في الصدر، وليس مادة تكيفها الأغراض، تماما كالسياسة المفقودة عندنا.
الإنسان بلا «أدب» في أبعاده كلها، جسد بلا روح، والروح أسمى ما في الحياة. والإنسانية تستنير بها وتهتدي معالمها في أشدّ عصورها المظلمة. فإلى الحاضرين من «مسؤولينا» والغائبين ندعو إلى أن يصعدوا به وبالقيّمين عليه، فهؤلاء لا يلهون بجوهر الحياة ويبتذلونه توصّلا إلى أغراضهم واتباعا لأنانيتهم!!!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه