بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 شباط 2023 12:00ص د. صالح الرفاعي لـ«اللواء»: لديّ قناعة بأن هناك دائماً صورة ما لم تؤخذ.. شخصية الزعيم اليوم أصبحت مركّبة

د. صالح الرفاعي د. صالح الرفاعي
حجم الخط
هو مصور صحفي تميّز بالثقافة العالية التي مكّنته بأن يكون من أوائل المصورين المحترفين في لبنان والعالم العربي، أستاذ جامعي وكاتب وأحد مؤسسي نقابة المصورين الصحافيين في لبنان، صالح الرفاعي الذي هَوَى واحترف مهنة التصوير الفوتوغرافي وتنقّل بين لبنان ودول العالم، عرف بفنه كيف يصنع صورة الزعيم، بل كيف يحوّل من يلتقط له صورة إلى قوة مؤثّرة في شحن المتخيّل واختزال المعنى في فضاء إعلامي يكثر فيه اللاعبون. واكب صالح الرفاعي التطور التكنولوجي للصورة من التحميض والتظهير إلى الديجتال، مثلما عمل أيام الحرب وإنقسام بيروت وفترات السلم، كل ذلك ليحوّل الصورة في النهاية إلى وسيلة اتصال وأداة حياة تملك قدرة هائلة على التأثير والإنتشار.
«اللواء» إلتقت الفنان د. صالح الرفاعي وكان لنا هذا الحوار الشيّق:

{ من أين استمدّ صالح الرفاعي بدايته لترجمة شغفه في التصوير؟
- بذور الشغف موجودة بعائلة الرفاعي منذ زمن في الفنّ والتصوير، حتى أختي رسامة وأستاذة فنون تشكيلية. الشغف قوة وحالة مسكونة بداخلي إنما لكي يصل الإنسان إلى ما يصبو إليه يجب أن يتحلّى بالطموح حتى مع تقدمه بالعمر. هذه العوامل مهمة على أن تكون مصحوبة بالدراسة والثقافة. أذكر أنّني بدأت القراءة في عمر صغير، وفي الخامسة عشر من عمري صنعتُ من مطبخ البيت الوالدي مختبراً لتظهير الصور، هذه الصور التي كنت أصورها للأصدقاء في الكشافة أو في الصليب الأحمر وبعد التظهير أبيعهم إياها لكي أموّل هوايتي فأشتري أفلام وأدوات جديدة. بعدها تنقلتُ من جريدة «الكفاح» إلى جريدة «الأنوار» إلى وكالات أجنبية عالمية، راسماً أهدافاً لحياتي منها ممارسة التعليم في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، وفي معاهد أخرى لبناء جيل من المصورين المثقفين. أمّا فيما يتعلق بهدف الكتابة، فأسستُ مع زملاء لي أول مجلة متخصصة في التصوير في العالم العربي «مجلة فنّ التصوير» التي استمرت 5 سنوات وتوقفت بسبب الحرب، وما زالت الكتابة إلى اليوم تمدّني بالروح للإستمرار.
{ ما هي الصور الذي تمنى صالح الرفاعي أن يصورها ولم يستطع؟
- أرشيفي مليء بالصور الجميلة، فأنا أملك أرشيفا شخصيا غنيا وكبيرا ولا مثيل له، يبدأ من سنة 1974 لغاية اليوم، وهذا الأرشيف لا يحتوي صوراً عن لبنان فحسب، بل عن الحروب والثورات والمؤتمرات العربية، إضافة إلى صور من العالم أجمع، للسياسيين والفنانين والكتّاب... في النتيجة، لديّ قناعة بأنّ هناك دائماً صورة ما لم تؤخذ وهذه القناعة تجعلني في حالة إنتظار جميل. الأمر الذي يمنحني الشغف المتواصل.
{ كتابك الجديد «من يصنع صورة الزعيم؟» (دار المؤلف 2022) يشكّل أرشيفاً وطنياً لتاريخ التصوير في العالم وفي لبنان، برأيك ما أهمية أن يكون المصور مثقفاً أيضا؟
- أقولها بصراحة في لبنان وفي العالم العربي يُصرف مبالغ طائلة على جمالية الصورة إنما للأسف لا يُصرف جزء بسيط منها على ثقافة الصورة، وهذا ما يؤخّرنا في التقدّم الثقافي الفوتوغرافي. فالصور نراها على الإنترنت وفي المعارض، فجمالية الصورة مهمة ولكنّ يمكن أن نقتطع جزءا من المبالغ على تشجيع ثقافة الصورة. لا تقدّم أو استمرارية في الفنّ من دون ثقافة.
{ في جدلية العلاقة بين الصورة والزعامة، هل ترى بأنّ هناك زعماء أو مشاهير تنجذب الصورة إليهم وليس بالضرورة العكس؟
- طبعاً بشكل عام هناك شخصيات في العالم العربي وفي لبنان «الكاميرا تحبهم» فعلى سبيل المثال: ملك الأردن الراحل الملك حسين بوجهه الجميل وابتسامته الراقية، ومثلا شخصية الزعيم جمال عبد الناصر... وفي لبنان كاريزما الرئيس بشير الجميل، أو شخصية الرئيس صائب سلام أو شخصية الزعيم كمال جنبلاط... ومن الشخصيات العالمية مثلا في الفنّ مارلين مونرو، أو الليدي ديانا... السرّ في ذلك كون الكاريزما أو الشخصيات غير مصطنعة، اليوم شخصية الزعيم أصبحت مركّبة بحيث لا يوجد زعيم يطلّ على جمهوره من دون تجهيز الـ stage أي المكان والديكور وخلفية التصوير.
{ اليوم ومع تطور التكنولوجيا أصبح كل إنسان مصور عبر هاتفه، بماذا تنصح الهواة في كل مجال؟
- حالياً أدرّس مادة Analague Photo (أي الكاميرات التي تستعمل الفيلم القديم) في أحد المعاهد، سألت الطلاب يوماً: لماذا تهتمون بهذه المادة على الرغم من تعيقداتها؟ فكان الجواب بأنهم يريدون معرفة تاريخ التصوير، هذا الجواب يجعلني أتفاءل بهذا الجيل، بحيث ليس هناك أي تقدم فنّي إن كان هذا الجيل لا يدرك تاريخه. لذلك كنتُ وما زلتُ مع مواكبة التطور ولكنه له محاذيره نظراً لسهولة التلاعب في الصورة. في هاتفنا نستطيع أخذ صورة للذكرى، إنما ومن خلال الكاميرا الإحترافية نذهب إلى مصداقية توثيق الصورة. 
{ كمصور صحافي عملت في لبنان والخارج مع وكالات عالمية، برأيك ما الميزة الإحترافية التي يكتسبها اللبناني من الأجنبي؟
- في بداية أحداث 1975 أُصيب الكثير من المصورين لعدم الخبرة، إنما ومع مجيء المصورين الأجانب إكتسبنا منهم خبرة في العمل الميداني وخصوصا إنهم يعرفون تاريخ مهنتهم. الحقيقة، لدى المصورين الأجانب تنافس مهني مقروناً بالاحترام الكبير لبعضهم. وهذا ما نفقده في لبنان وفي العالم العربي.
{ تَخلص في كتابك إلى نتيجة «أنّ لكل فئة في لبنان، وحتى لكل عائلة صورة زعيمها... أو الملهم البطل، سياسياً كان أو نجماً سينمائياً أو مطرباً...»، بحسب خبرتك العريقة هل تخدع صورة الزعيم غالبية اللبنانيين؟
- كتابي يؤرّخ لحالة سياسية من العام 1975 حتى 2000، أستطيع القول بأنه في الفترة السابقة كان هناك مصداقية عالية لدى صورة السياسيين. سأخبرك بقصة: «عندما تمّ تكليف الرئيس رشيد الصلح رئيسا للحكومة وذهبتُ إلى بيته مع بعض المصورين، أخذنا له صورة في البيجاما من دون أن يمانع». اليوم اختلفت الأمور، أصبح كل زعيم يعتمد بروتوكولا لأخذ الصورة، إضافة إلى إعتماد كل زعيم على مصور خاص له. وفي اعتقادي إنّ الأمور المركبة بعيداً عن الأحاسيس والتعابير لا تخدم صورة الزعيم.