بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 شباط 2024 12:00ص (دليل فلسطين) لمريم شاهين فلسطين.. سابقاً وحاضراً

حجم الخط
«يكفيني» أن أموت على أرضها.. وأن أدفن فيها.. لكي أذوب وأختفي في ترابها.. ثم أنبت مثل وردة يلعب بها طفل من بلادي.. لكي أكون في جوارهما مثل حفنة تراب.. ورقة عشب.. وردة «يكفيني»، لفدوى طوكان.
ربما ما من طريقة أفضل للتعريف بفلسطين وشعبها من الإنصات إلى كلمات شعرائها النابضة بالحياة.. المفعمة بالمشاعر.. والزاخرة بالإصرار على الانتماء إلى أرضهم المقدسة.. فقد احتلّ الشعب، والأغنيات الثورية والمأثورات التقليدية في القرن العشرين الماضي أهمية كبيرة بوصفها رموزاً وطنية حربية مثل الأعلام، وجوازات السفر، والحدود. وفي عالم كل بلدانه تحمل أعلاماً، في سفينة الأميرة فلسطين في شعرها وشعرائها الذين هم أكثر سفرائها وقاراً. إن الادّعاء بأن القدوم إلى فلسطين مثل زيارة أي مكان آخر في العالم لا يقلّل من تاريخها الرائع، وإسهامها الفريد في الحضارة العالمية وحسب؛ بل ويتناقض مع وضعها الغريب في القرن الواحد والعشرين على نحو لا يصدق، وإذا أخذنا هاتين الحقيقتين بعين الاعتبار.. سنجد أن هذا الكتاب بحثٌ في كل ما هو فلسطيني - في الماضي والحاضر - في فلسطين التاريخية.. فلسطين - الأرض المقدّسة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود.. إنها موطن الشعب الفلسطيني، وربما كانت في الألفي سنة الماضية قطعة الأرض الأكثر جاذبية في العالم. لكن في القرن العشرين تمّ اغتصاب معظم أجزاء فلسطين وتحوّلت إلى دولة قديمة على يد اليهود القادمين من أوروبا بشكل أساسي، وأصبحت تعرف بإسرائيل الحديثة. وداخل إسرائيل اليوم، تعيش فلسطين في ظلّ الإقامة الجبرية ويعيش شعبها تحت الحصار، وأصبحت هدية أبنائها مرفوضة وبانت في مرتبة «المواطنين الأصليين» بالنسبة إلى قرابة المليون فلسطيني الذين سمح لهم بأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين، كان وجودهم على أراضيهم المحلية في الغالب على حساب قمع هويتهم وخسارة حقهم في العيش على قدم المساواة مع أولئك الذين يحكمون الأرض. أما بالنسبة إلى حوالى الثلاثة ملايين فلسطيني الذين يعيشون في سلسلة من المدن والبلدات التي هي أشبه بمحميات، تعرف بالضفة الغربية وقطاع غزة، فهم متشبثون بهويتهم، وقد منحتهم أرضهم ميزة جعلتهم محور قضية سياسية دولية كانت الأكثر إثارة للخلاف في العقود الثلاثة الأخيرة، ووضعيتهم الدولية جعلتهم شعباً «محتلاً».
إن دراسة فهم ما تعنيه فلسطين ومن هم الفلسطينيون، لا عبر دراسة الواقع السياسي الحالي وحسب، بل وعبر دراسة التاريخ، والدين، والأدب والموسيقى، والفن والعالم الطبيعي إنما هو بمثابة رحلة مدهشة. وانطلاقاً من البلدات التي ظهرت في مرحلة ما قبل التاريخ، مثل: أريحا، أو غزة، أو القدس، أو طبريا، ثم الانتقال إلى المدن الأكثر «حداثة»، مثل بيت عمر، أو نابلس أو رام الله، تتضمن ومن خلال هذا الكتاب «دليل فلسطين» رحلة معاصرة لهذا المجتمع الفتيّ والمتنوّع؛ كلًّا من التواريخ الشاهدة والقصص التي تقترن معها. تشكّل فلسطين المعاصرة فسيفساء متراكبة ومتشابكة لا يمكن لأي عالم آثار أن يصفها بشكل كامل. وقد عادت الدلائل السياحية الفلسطينية، التي ظلت ممنوعة طوال عقود، إلى الظهور مع مجوعة واسعة من خطوط سير الرحلات التقليدية والبديلة، وبصرف النظر عن منظور كل منها، فهي تبدأ دائماً بالكلمات التالية: «أهلاً وسهلاً في فلسطين»، كما يوحي أيضاً هذا الدليل «دليل فلسطين» للقارئ.. أهلاً وسهلاً في عوالم هذا الكتاب الذي يستكشف ما كان عليه الفلسطينيون سابقاً وما هم عليه اليوم، حيث يؤثر هذا الدليل بالإيضاحات، بدقّة وبنزاهة مدخلاً أساسياً لفهم الفلسطينيين وعلاقتهم بأرضهم، في ماضيها وحاضرها، وهو يضع بين يدي القارئ التاريخ المضطرب والتراث الفني لفلسطين جنباً إلى جنب مع روايات مختصرة لموضوعات مثل: الشعر والأديان والعادات والحليّ، الطبخ والموسيقى. فسيتكشف القارئ على ضوئها لحظات الماضي.. كما ويستكشف البلدات والقرى والمدن ومخيمات اللاجئين التي تنبض بالحيوية في بلد بدأ يظهر إلى حيّز الوجود. كما يوفر هذا الدليل للزائر نظرة صادقة تفسير السبب الذي يجعل فلسطين مكاناً حقيقياً على خريطة العالم، على الرغم من افتقارها إلى الوضعية القانونية كدولة. وإن ما يتضمنه هذا الدليل نظرة تاريخية تبدأ بالعصور القديمة، وصور فوتوغرافية وخرائط بالألوان، بالإضافة إلى شرح ساحر يستكشف التراث التاريخي الفني لكل منطقة والمشاهد المتنوعة على نحو يثير الإعجاب. وأيضاً يشتمل هذا الدليل على وصف مفصّل للبلدات والمدن، وكل دراسة لمدينة القدس، وبيان للمصادر المتعلقة باللاجئين ومخيماتهم، ومفاتن تعين رؤيتها ومعلومات للزوار..

(الكتاب صادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ويقع في 460 صفحة من القطع الوسط)
ضحى الخطيب