بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الثاني 2023 12:00ص ذكرى ميلادِ صباح التي عاشت.. ألف عام!

فَنُّها وحياتُها وجنونُها لها.. ومالُها للجميع!

حجم الخط
أَيُمكن الكلام على دوّامةٍ هي حياة الفنانة صباح، أم أنها خربشات بنت صغيرة على ورقة بيضاء اختارت ريشاتها وألوانها وهجمت على الحياة؟ فمن يدقق في كواليس صباح المُعلَنة والخفية، وتفاصيل كينونتها المحيِّرة، لا يبقى لديه شكّ ليحكم عليها بالجنون. أُضيف مرة أُخرى: الجنون. لقد كانت فعلاً مجنونةً ومتهوّرةً وصاخبةً وقاهرةً الجبالَ والعواصفَ بضحكةٍ تُطلّ بها على الناس فيفهمون أنها مرتاحة تماماً منسجمة مع نفسها لا تعاني سؤالاً غامضاً لا في الرأس ولا في الجسد ولا في النفسية ولا في الفنّ ولا في الحياة. كانت تبدو عاشقة ومعشوقة في الحب، حارقة ومحروقة بالشائعات، سارقة ومسروقة بالشّهرة، وكأن لا وقت لديها بتاتاً لتنظر في ما يجري معها وعليها وفيها وحولها، ووقتُها للغناء والحفلات والزواج والطلاق والمسرح والمغامرات العاطفية ولاستقبال الشعراء والملحنين والموسيقيين والمخرجين والمنتجين، ومع كل هذه الضوضاء الأسطورية تلك الضحكة التي التصقت بكل جواب منها على أي سؤال حتى ولو كان عن الموت.. الشخصيّ. كأنها عاشت وستعيش ألْفَ مَرّة!
كان صوتها الجميل الطيّع المتوهّج الرقراق حُجّة لتمارس حياتها كما تريد. تطرح أغاني في عمل فني مسرحي أو سينمائي، عن الحب، فتحب الشاعر وتحب الملحن وتحب الفيلم وتحب الأبطال الذين أمامها، بالمفرّق والجُملة، وتحب أجمل الرجال الذين كانوا في كواليس الأفلام يتهافتون عليها، وهي كقرص العسل تتدلل وتختار مَن تُحب وكيف تُحب وإلى متى تُحب وتترك في حناجر الكثيرين منهم حسرات وكسرات. كان أقصى شغفها أن ترى جميع مَن حولها مغرمين بها لا معجبين فقط، وهي في النهاية تقرّر مَن تعطيه قلبها وتقبل الزواج به ولو لليلة واحدة كما حصل مع الممثل رشدي اباظة الذي أحبّته وأحبّها وظلت إلى أواخر أيامها ومقابلاتها تتذكّره بـ «الراجل الرائع والشهم».
ورغم الزبجات العشر التي خاضتها اعترفَت أكثر من مرة أنها خانت. وكانت تقولها كمن يعترف أمام محكمة ذاتية لا مجال فيها للمراوغة والّلف والدوَران والتعمية. كل زوج كانت له قصة. بعضها مرير وخفيف وانتهى بأمان، وبعضها كانت فيه مُخبَّآت ضدها، فعَمدت إلى أن تكون العصمة مستقبلاً في يدها لكي تكون طليقة اليد في حال مَن يعذّبها معنوياً! آخِر زواج من فادي لبنان كان الأطول عمراً لكنه خلَص إلى خيانة، فطلّقته في الثمانين، وخطبَت بعده شاباً في العشرين من العمر.
لا تفعل ذلك امرأة، بل لا تستطيع أن تقهر «تقاليد» المجتمع وعاداته وأقواله وأفكاره امرأةٌ إلّا صباح التي لم تخشَ شيئاً في حياتها:
تعرّضت للسرقة بالملايين مرات من أقرب المقرّبين، وكانت تتجاوز. تعرّضت لفشل مسرحية أو فيلم أو أغنية أو علاقة أو رحلة فنية وكانت تتجاوز. لم يسمع أحد من الفنانين والناس صوتها تنِقّ على شيء ولا في أي زمن. لم تحقد على فنان أو رجل أو إمرأة وأعلنت ذلك. الأغلب أنها كانت لا تسامح فقط بل تمسح. تمسح ببصمتها على أي موضوع وتنهيه فوراً. ولا تسمح لدمعة أو آهةٍ بأن تكشف عن نفسها من القلب، ولا من أيّ من ملامحها. جبّارة؟ نَعَم لكن على طِيبة وإرادة. قاهرة؟ نَعَم ولكن ليس لتؤذي أحداً وإنما كي تخفف أذى الآخرين إذا حلّ، وما أكثره في عمرها. ولا يَذكر فنان لبناني أو مصري أن صباح أساءت إليه، أو خطفَت من رزقه، أو جرحت كبرياءه أو حتى خدشَتْهُ.
خفيفةٌ على رشاقة في التعاطي والعمل. نظيفة حتى أن روائحها كانت تسير خلفها في الإستديوهات أو السهرات عشرات الأمتار. طريفة في أخبارها فتُضحكُك على نفسها من مواقف ترويها بثقة وسخرية معاً. عنيفة، في حال وحيدة هي الدفاع عن النفس في الأزمات الشديدة، وحفظ الكرامة.
«صرّيفة»؟ أبعد من الخَيال الجامح، فما كانت تتقاضاه من أموال كان يجد طريقه إلى جيوب مَن حولها. المال الذي كان لها كان لها وللآخرين، وأصدقاؤها كانوا مرتاحين إلى صداقتها لأنها لا تحب صديقاً مأزوماً من المال. وزّعت على الصحافة والصحفيين أضعاف ما كانوا يتقاضونه من رواتب. إثنان من أكبر رؤساء تحرير المجلات كان لكل منهما مرتّب يصِلهُ دورياً من صباح، مطلع كل شهر. لبست أجمل الثياب المسرحية والخاصة و«وظّفَت» أكبر مصممي الأزياء لخدمتها. مجوهراتها لا مثيل لها، سيّاراتها، مآدبُها، سهراتها، وكان يليق بها الترف والجاه والشهرة والعظمة وكبَر النفس.
وكانت تعيش حسّاً أنثوياً استثنائياً لا يُضاهَى. يجب أن تكون جميلة وجذابة. ويجب أن تبقى جميلة وجذّابة. عدد الجراحات التجميلية لإخفاء خطوط العمر عن الوجه والرقبة والجسد، كانت عند الحاجة فوراً. أصلاً عُرِفت هذه الجراحات بصباح. وأكثر ما يحرّك حفيظتها فتنبري كاللبوة كان عندما تُمَسّ أنوثتها من كلامٍ هنا أو تحدّ هناك. وظلّت الى أبواب التسعين تتصرّف كأنها في العشرين، فتُظهر ساقَها من شقّ الفستان، أو تُبرز أكتافها، وكانت أكثر ما تنزعج من يديها وأصابعها التي تخطّطَت بأزرق العروق النافرة ولا سبيل لإخفائها. وفي سنواتها الأخيرة حين نحَلَت جداً كانت تتوتر عندما يعوقها لسانها في التعبير أو في لفظ كلمة معينة. كانت تحارب العمر الذي لا يُحارَب وتريد أن تتخطاه ولا يتخطاه أحد، وبقيت تصرف مادياً كالأميرات في زمن شح العمل والموارد، ذلك أن شخصية عربية كبيرة كانت تحبها وتدعمها «حتى لا تُهان». ويبدو أنها كما فعلَت مع كثُر وساعدتهم، في حياتها، وجدَت في آخرتها من يقف سنداً لها. كانت تقول «مش بس المال بيجي وبيروح، البني آدم كمان بيجي وبيروح».. وراحت مرغمة، بالسنين الثقيلة والضعف البدني، وظلّ حتى اليوم طيفُها يلوّح من بعيد.. ويَضحك ضحكتَها تلك التي اختلف الناس في تصنيفها حقيقيةً أم تمثيلاً ومداراة وتمويهاً عن الضياع الكامن في الروح!
صِدقُها مشهود، تحديداً حين تتحدّث في «الشخصي» الذي يتفاداه غيرها. تروي من دون رفّة جفن: «كان أبي يشبه الرادار حولي في البداية. هيدا مسموح هيدا ممنوع، وتدخُّله في أماكن التصوير كان يُربكني ومنَع عني فُرصاً لا تعوَّض. لكن بعدما بدأ المال يتكون بين يديّ صرتُ أُلْهِيْهِ وأصرف نظره عني بالمال. تغيّر الوضع معه جذرياً بعد حادثة مقتل أمّي على يد إبنها (شقيقي) بقضيّة خيانةٍ زوجية مزعومة. وتابَعتُ أنا حياتي الفنية من دون أن أسمح لهذا القتل بأن يُخربِط مخططاتي، وصرتُ حرّة أكثر، وبدأ شعور يملأني بأنه يجب أن أتزوّج لأُبعدَ التدخلات العائلية، فكان أزواجي واحداً بعد الآخر يطمعون برزقي، هم أيضاً، فكان الحل بالطلاق، فالزواج، فالطلاق، فالزواج، فالطلاق إلى آخر.. الرجال. هذا ملخّص حياتي الزوجية. كنتُ أريد حياتي حرّة تماماً وملأتُها لا بالمتشابهات من الأيام والمواقف، بل بالأضداد، حتى وصفَني البعض بأنني ضدّ نفسي».
صوتُ صباح جبَلي متمرّد لكنه أليف حتى تفيض عنه الإلفة، وفوق الإلفة فرحٌ يتسلّل من نبراته ومن أوتاره ومن معانيه التي تشِعّ كنجمة، ويندلق عليك فلا تعرف خلاصاً من عناقه العابر والمؤثّر والخفيف والحميم.
صوتها كوجهها يرحب بك إن كنت غريباً أو قريباً أو ثابتاً أو شارداً في البراري الموحشة، ويمدّ ذبذباته إلى قلبك ويدعوك للرقص في حزنك، وللأمل في مأساتك، وللسكون في انشغالاتك العقيمة أو حتى المثمرة. صوتٌ لا يأخذ من وقتك إلّا حاجته إلى أن ترحل معه في نزهة، في غمرة، في لهوٍ طافح بأطياب شتّى. تأمُرك صباح في أغانيها بالترفيه عنك وتسلّم عليك وتعطيك خطوات الرقصة مع إِشعار بالتسليم. من بدايتها كان صوتها هكذا واستمر هكذا وكلما كان يتطور كان الفرح يتطور فيه ويكبر ويلامس أشخاصاً وجمهوراً أوسع. وحين كان على جيلنا أن يختار بينها وبين فيروز لأنهما الصوتان الأكبران الأشهران كان انقسام. مَن أحب فيروز مالَ إلى الرومانسية والغنى في النصوص والألحان والأداء. ومَن أحَب صباح مالَ إلى حب الحياة والبساطة ورقّة الأنثى الفائضة نعمةً تعلن عن نفسها. وصباح التي أخذت مرة واحدة دور فيروز في «دواليب الهوا» (وقتَ فيروز حملَت بأحدى بناتها) برهنت للملأ إن صوتها المسرحي خطير في جمالياته. وكل المسرحيات التي أدّتها بعد ذلك لغير الأخوين رحباني، كانت أضعف بكثير وأقل بكثير من أن تضيف إلى صباح «دواليب الهوا» شيئاً، باستثناء مهرجانات معدودة.
والآن بعد سنوات الرحيل نصدّق صباح حين كانت تقول إنها قبِلَت مسرحيات في حياتها كي «يعمل» أزواجها من وسيم طبارة إلى فادي لبنان، وإن كل هذا لا يقارَن بـ«دواليب الهوا» التي جسّدت فيها دوراً تمثيلياً وغنائياً رحبانياً ظلّ متميّزاً ومذكوراً كل حياتها.
فالتمثيل مع الرحباني كان مؤثّراً ولم تنهَج فيه صباح نهجها التمثيلي المعروف بالدلال في السينما عموماً، بل التزمَت الشخصية وكان الدلال من ضمن الإطار الذي وضعَه عاصي ومنصور الرحباني لشخصيتها، وحُب البطل (نصري شمس الدين) لها، كما حُبّها لبائع دواليب الهوا المتجوّل (إيلي شويري) أطلق ثنائيات غنائية رائعة وحنونة وطيبة وكانت المسرحية كلّها مفاجأة للجمهور عبر قصة طفولية التفاصيل، وعناصرها المسرحية ذكية.
موقفي كناقد، من صباح تغيّر بين الثلاثين الأولى من عمري والثلاثين الثانية، فقد كنت أحب صوتها الباهر وأكره أغلب أغانيها لأنها أخفّ من الريشة، ومضمونها ركيك، وكنت أتساءل كيف لصوت كهذا أن يتجاهل أنه عميق ومؤثّر فيتسلى بأغانٍ كنت أراها ضعيفة.. وبقيت «دواليب الهوا» تذكّرني أن صوت صباح هو شيء مختلِف عما تُغني عموماً.
وأذكر أن رئيس تحرير «الشبكة» جورج إبراهيم الخوري عام ١٩٧٩ طلب إليّ كتابة مذكرات صباح ورفضتُ بشدّة لأنني «لا أحبها» وكدت أخسر عملي، لكنه استدرك «حين تتعرّف إليها ستندم على رأيك». وهذا ما حصل.. فحين تعرّفتُ عليها أحببتُها وصادقتُها وأنِستُ إليها (وكدنا نشتغل مسرحية من تأليفي وتلحيني) وفهمتُ أن هذه المرأة خُلقَت لفرح الغناء، وكانت تَعتبر أن صوتها الجميل سيرفع أي أغنية عادية تؤديها إلى مرتبة حب الناس، وأنا لا يجوز لي أن أحاكمَ مغنية لا هدف لها إلّا بثّ الحيوية والظرف في أغانيها ولوّ كنتُ أعتبر (ثقافياً!) أن الغناء وُجدَ للجديّة!
في الأفلام السينمائية بين لبنان ومصر كانت صباح نجمة بكل المقاييس خصوصاً في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وأغانيها في تلك الأفلام كانت من ألحان عبد الوهاب وبليغ حمدي ورياض السنباطي ومحمد الموجي وكمال الطويل وآخرين كبار أيضاً، وذاع صيتُها وهَدّدَت من حيث لا تدري عروش مغنيات مصر في تلك المرحلة. انتشارها العربي كان من مصر التي كانت الأرض التي استقبلتها ورحّبت بها فنياً وإنسانياً، وهي كابنة أصل لم تتنكر يوماً لقناعاتها هذه..
في لبنان عملَت مع إلياس الرحباني وإيلي شويري وملحم بركات ونور الملاح، وقبلهم جميعاً روميو لحود ووليد غلمية وزكي ناصيف وفيلمون وهبي. لم يولَد ملحن جديد إلّا طرق باب صباح أو طرقت بابه لأغانٍ جديدة. ولم يظهر شاعر إلّا جذبته صباح إلى حديقتها، وقيل إن كل شاعر وملحّن كانت تدفع له «ثمن» شِعره أو لحنه مضاعفاً تكريما لهُ.
يتذكّر إلياس الرحباني: «هربتُ وعائلتي خلال حرب لبنان إلى قبرص وكنتُ في حال مشؤومة مادياً. أيام قليلة وتتصل بي صباح من القاهرة تقول: «حبيبي إلياس حضّرلي ثلاث أغاني بشكل عاجل لأنو بدي خلّص الكاسيت، وبكرا بيوصلك العربون».. وثاني يوم وصلت حوالة خمسة آلاف دولار. يختم إلياس: «ما بعرف من مين عرْفِت بوضعي، وبدَل ما يكون المال مُساعَدة وتحرجني، اشترَت مني ثلاث أغاني.. الله ما خلَق متل ذوقها»..
ومسارح مصر ذاقت حضور صباح التي بقيَت تردّد أن مهرجانات بعلبك كانت الأكثر اقناعاً لها نظراً لهيبة الغناء في ذلك المكان الناهض من التاريخ.
صوتُ صباح مكَوَّنٌ فطرياً للغناء الشعبي، لبنانياً كان أم مصرياً، وقد برعت فيه إلى حدود عالية جدّاً كان يبدو أنها موجودة لصوتها فقط، وهي أعطت بإحساسها الشعبي، وأسلوب إدائها الذي يبعث الرهافة والعذوبة والسلوى في السامع، كثيراً من الذكاء الإدائي. ونادرا ما غنّت بأبعاد درامية مثل «ساعات ساعات» للمصري جمال سلامة، فالأغلب من الملحنين كان يهوى السلاسة والليونة معاً في صوتها ولذلك كانت مهرجاناتها بألحان زكي ناصيف ووليد غلمية وروميو لحود وإلياس الرحباني وفريد الأطرش تشتعل بالرقصات والدبكة والمواويل التي كان صوتُ صباح يتقنُها باحتراف ممعن في المهنية والبراعة.
ولعلّ أجمل ما في صباح كان يظهر في مقابلاتها التلفزيونية حين تُستَضاف مع وديع الصافي.. ويسترجعان ما غنّياه في مسرحية «موسم العز» الرحبانية التي حين جمعتهما اجتمعَ اللون الغنائي اللبناني، في رجل وامرأة، وعاصي ومنصور حققا ما فكّرا به دائماً: بين وديع وصباح، كصوتين متناغمين، في الهوية البلَدية، ما لا يحصل بين أي صوتين آخَرين.. وكانا في المقابلات يتبارزان حُبيّاً في المواويل. يغني وديع بصوته الضخم الشفاف ويصعد في طبقات صوته إلى الأعلى حيث لا يستطيع صوت صباح الوصول.. فتغني صباح وتمُد في «الأُوف» طويلاً إلى حيث لا يمتدّ صوت وديع. هو في العلوّ وهي في الامتداد.. ويضحكان لهذه اللعبة الصوتية التي تخلق الإبداع خلْقاً.
على أن بعض أغاني صباح كان غير صالح لها في نظر محبيها، فإما قدمته في فيلم لضرورات القصة، أو قدّمته للإذاعة في «تنفيعة» لأصدقاء.
وثمة ملحنون كانوا يعتقدون صباح سهلةً في قبول ألحان لا تقتنع بها جيداً، وفوجئوا بردودها الحازمة على أغانيهم. فالبساطة في الكلمة واللحن عند صباح لا تعني غناء أي شيء أو كل شيء، بل لعلّ ما تمتعت به بدقة هو القدرة على التمييز بين ما يصحّ لها وما لا يصح.
وما بقي من صباح هو كل شيء: شخصيتها وأغانيها.. وحيّز واسع لصنيع عاصي ومنصور في صوتها، كأغانٍ، وأيضاً في هوية الإداء اللبناني. واليوم، يُعتبر صوتُها معياراً للغناء البلَدي المحلّي المتجذّر تماماً في الذاكرة (عتابا وميجانا وأغانٍ خفيفة تملأها إيقاعات الرقص اللبناني)، وللغناء المصري إبن البلد. وكل اللواتي حاولن التمثّل بها، في بعض الجوانب الإدائية، سقطوا في الجوانب الأساسية التي هي التلوُّن الجمالي في الصوت. فما كان وما زال عند صباح لا تستطيع خطفَه مغنية من هنا أو هناك. وصوتها هو التوقيع ببصمة الحنجرة على فن غنائي قدّرَه اللبنانيون وأكبروه وكذلك العرب، لأنه يحمل هوية بلد المنشأ الذي يوزّع غيماته وجباله وشطوطَ بحره وسهولَه وتاريخَه على أصوات دون غيرها!