بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تشرين الأول 2023 12:00ص رأي حرّ

حجم الخط
لا شك أننا ننظر بعين الإكبار والإعجاب لتدفّق الحياة في شرايين الواقع الثقافي، خاصة بعد حالة التصحّر التي عانينا منها لفترة طويلة بسبب وباء «كورونا» والظروف السياسية المعروفة والاقتصادية أيضاً، والتي شهدت ظهور عدة محاولات جادّة، لكنها فشلت لأن المرض كان أقوى، والوضع المؤسف الذي تعيشه بلادنا..
لكننا لاحظنا منذ فترة عودة الحياة الى الجسم الثقافي عامة وهذا أسعد جميع المراقبين ولكنه في نفس الوقت أثار خوفهم على هذا المدّ الواعد ومردّ الخوف الى ضرورة التمسّك بالنوعية وليس بالكمية، لأن هذا المطر من المنتديات والهيئات الثقافية والإجتماعية، تتحكّم ببعضها خلفيات لا تمتّ للثقافة بصلة، فنراها تتنافس من أجل إثبات وجودها، والمنافسة مطلوبة وضرورية ولكن شرط أن لا تتحوّل الى عراك وتصادم، لأنه يناقض الأسباب والحيثيات التي أُعلنت في البدايات، مما أثار عجب واستغراب المراقبين الذين لاحظوا بروز غايات تتحكّم بها الأهواء والأغراض والأنانيات وحتى الماديات، ولا أحد ينكر التأثير المادي وأثره الطبيعي في إصدار الكتب وإقامة حفلات التوقيع ودور وسائل الإعلام المتنوعة، وكل هذا له ثمن، والثمن لا يقوى على تأمينه المبدع مما يضطره حتماً الخضوع إلى من يملك رأس المال وتنفيذ كل ما يطلبه منه.. هذا الأمر أعادني الى سنين خلت حين كنت أعمل في إحدى الصحف العربية، وقد طلبت من الشاعر سعيد عقل إجراء مقابلة معه للحديث عن جديده، فوافق بكل سرور شرط دفع مقابل مادي معيّن له.. صدقاً تفاجأت وأجبته: «إنها المرة الأولى التي يطالبني مبدع مثلك بمقابل مادي!» أجابني بصدقه وصراحته المعروفة: «إسمع يا إبني، غداً عندما أموت، لا أُريد من عائلتي أن تستدين كلفة الجنّاز والدفن»، بالطبع كان على حق.. وبالعودة الى الواقع الذي نعيشه ونعاني منه، ترى إن التكامل والتنوّع مطلوبان وإن صدق النوايا هو الشرط الأساسي، ومن المفروض أن يشرف على هذه التجمعات أهلها، الذين يعرفون من أين يغرفون؟ وكيف ولماذا؟ أما إذا كان المراد أن تكون هذه الأندية مجرد واجهات لأشخاص ولأغراض لا شأن للثقافة والأدب فيها.. فلنقل على الإبداع السلام..