بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 آذار 2023 12:00ص شيطان «بولغاكوف»

حجم الخط
طوال رواية: «المعلم ومارغريتا» للروائي الروسي ميخائيل بولغاكوف، يسيطر الشيطان على الحدث ومجريات الأمور المتنوعة، ويبدو الجميع الى جانبه شخصيات ضعيفة، باهتة، متردّدة، ويبدو هو حيوياً، واثقاً، لا مبالياً، مندفعاً، ساخراً، ظريفاً، قوياً بلا حدود.. وعندما يعود من حيث أتى، يكون قد ترك عدداً من الفضائح والخيانات الصغيرة، وبعض حالات الاكتئاب، ومجموعة من نزلاء المصحات العقلية والمستلبين روحياً الى جانب الفارّين والهاربين الى أربع رياح الأرض.. هذا ما فعله شيطان بولغاكوف حين هبط الى موسكو خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وقد أفشى للبعض أسرار الحياة وسلب البعض الآخر سرّ حياته، كما فضح البعض ورشا البعض الآخر، وبعث الأفكار المستقرّة لغيره، وحرّف مسار الآخرين!
قايض أحلام الناس وأمانيهم بالمتع الآنية، وجذبهم الى حفلاته التنكرية والصاخبة، وبغريزة الشرّ الأكيدة لديه، نفذ الى تلك الأمكنة المظلمة في نفس الإنسان ليقيم معها حواراً فيه خبث ودهاء ومكر.. والرشوة حين عدم التجاوب مع مطالبه.. ويبدو أن لبناننا الحبيب وبفضل تلك المنظومة، قد استعار من موسكو ثلاثينات القرن الماضي شيطانها العبقري الذي هبط متخذاً شكل شيطان آخر اسمه الفقر.. الفقر الذي دخل الى معظم البيوت وخرّبها ودمّر أيامها ولياليها، وقد أحدث الهبوط المبرمج للشيطان شرخاً رهيباً في البنية الاجتماعية، ووضع الناس في زاوية الذّل والحاجة الى منقذ مفقود.. مفقود.. صحيح انهم تدبروا أمورهم وخضعوا لمشيئة الشيطان المختفي خلف الفقر، فبات منظر حبال المولدات أو شركات كهرباء الأحياء مألوفاًً وبات مشهد «سيترنات» المياه المتنقلة بين البيوت شبه عادي، كما اعتاد المواطن المسكين الوقوف في طوابير الإذلال وآخرها الوقوف أمام المصارف، واعتاد أيضاً على رؤية خراطيم محطات البنزين مرفوعة وهو متأكد بأن خزاناتها مليئة بالوقود بانتظار رفع الأسعار! حتى بات راتب المواطن المسكين يساوي ثمن نصف صفيحة بنزين!! ويبقى السؤال: من يقف وراء هذا الإذلال وهذا الظلم وهذا القصاص؟