بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 حزيران 2023 12:00ص عظة الحاضر من الماضي!

حجم الخط
في عصور بائدة، شهدت جميع الطوائف في عاصمة العباسيين، أمنا ورخاء وطمأنينة وراحة بال، حتى ان كثيرين من العلماء كانوا يهربون من الامبراطورية البيزنطية نفسها الى بغداد دار السلام، ليقيموا شعائر دينهم وليبحثوا البحث العلمي الحر الجريء. أجل، لست بقائل ان جميع المناسبات بين العلماء تجلّت من باب الصداقة، فهناك أيضا بجانبها مناسبات التحاسد والشحناء كما نلمس ذلك بين بطلين من أبطال المدنية العربية، أحدهما يدعى ابن بطلان البغدادي النصراني، والثاني ابن رضوان المصري المسلم. وإذا درسنا جميع المناقشات التي دارت بينهما، رغم انها تتعدّى في بعض الأحيان حدود النقد العلمي النزيه، نجد ان التعصب ضد طائفة من الطوائف لم يملّ ذاك الجدال الحاد، بل أملته عليهما منافسة المهنة الطبيعية. أما الاضطهاد في سبيل المعتقد الذي لم يبرأ منه العهد العباسي الزاهر أيضا، فله في زعمي المنحى السياسي أكثر من المنحى الديني، وأكثر ما حدث في الزنادقة المانويين!
هكذا كان أجدادنا في غابر الأزمان، وما أحرانا أن نقتبس من روح تآخيهم، لتكون لنا نورا نهتدي به. إذا قابلنا بين همّتنا وهمّتهم، وجهودنا وجهودهم، وتشجيع العلماء في عهدهم وكسر الهمّة في عهدنا، وتعاون الطوائف لمتابعة سير المدنية عندنا وعندهم، لرأينا البون شاسعا جدا. الأمم تتقدّم، أما نحن فنتأخّر، ومن يريد الحياة ومجاراة الرقيّ، عليه أن يتقدّم لا أن يتأخّر.
هل تبرز بوادر أمل، عبر وزارات فعلية عابرة للطوائف والقبائل، تقوم بالإصلاح التربوي-الثقافي المنشود؟ هل يلوح الشفق الأحمر في أفقنا المسدود، بهمّة رجال رجال -ولا نستثني منهم أخوات الرجال!- فتعقب هذا الشفق شمس ساطعة؟ لنعلم، مع ذلك، ان كثيرا مما ربحه العالم بالعقل، لا يوازي ما خسره بسببه أيضا. فلنروحن العقل إذا!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه