بيروت - لبنان

8 آب 2023 12:00ص غرائزنا والعقل

حجم الخط
لم أسعَ يوما للطعن الجارح البليغ الذي يتوسله رعاع القوم. يسخطون بشدّة ويثورون بشدّة ويرمون مهجوهم بشدّة من غير تروٍّ ولا هوادة، ينفثون كل حقدهم حتى لا يدعوا أملا لشدّة ما يضمرون من بغض. انني أدغدغ من انتقده واهزأ به أدبيا من غير أن أذكر اسمه.
على نقيض ما يقال، العقل جرثومة الحروب والعدوان وليس الغرائز في عفويتها وعمقها. لا ريب في ان على العقل المروحن أن ينظم الوعي الحدسي الذاتي للاطمئنان الى حسن سير سلوكنا. ولكن غرائزنا هي أساس حكمتنا فلنستقرئها ونتبعها لأننا لا نستطيع أن ندرك ما لا نشعر به.
الثابت ان الاندفاع بلا تعقّل تهافت، والتعقّل بلا اندفاع ذريعة أو بديل موقت.
العمليات الحسابية لا تصنع الأبطال. وارتجاف العضلات ينطوي على إشارات أوفر إقناعا من الاستنتاجات الجافة والموثّقة من قبل العقل. اننا، إذ نرتدي رداء العقلانية الباهتة والتمايز الشكلي، نكاد نخفي ما يحرّكنا في عمق أعماقنا ليسطع في المستويين النظري والعملي.
الأنظمة تموت والغرائز تبقى. وما من شيء ينبثق من تلافيف الدماغ ما لم ينطلق قبلا من المشاعر المباشرة، علما بان الأصيل يتفوّق على البديل والطبع يغلب التطبّع.
الغرائز تسيّر الحيوان أفضل من الإنسان. انها، في الحيوان، صافية نقيّة. وفي الإنسان، يضللها العقل المدبّر والحيلة البارعة. الفكر تسحب الزناد، أما الغريزة فلتحميل المسدس.
في المنطق الصرف خراب للروح. وان قصة الحوادث البشرية تشير الى ان مردّ جانب كبير من تصرفاتنا، الى دفعنا الحيوي أكثر منه الى العقل الذي نتباهى به.
كم خلبت حضارة تدمر مخيّلة شعراء الجاهلية. فوصفوها في أشعارهم، وجاءت سجلا لها أكثر من كتب التاريخ والمطوّلات. أليس الشعر ديوان العرب؟ العقل المروحن كالذي نلمسه في القرآن الكريم، يظهر ان القصائد (المعلقات) قد مرّت بتنقيحات وهذّبت وعدّلت بحيث أصبحت تتفق مع روح (بل قل عقل) الإسلام.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه