بيروت - لبنان

16 كانون الثاني 2024 12:00ص فضوليون!

حجم الخط
الفضول علّة اجتماعية ابتلي بها كثير من عباد الله في بلادنا. إنه تطفّل يجعل منتهجيه يتدخّلون في ما لا يعنيهم، فتراهم يضعون مشاكلهم الخاصة جانبا، ليتدخّلوا في شؤون غيرهم، ويقحمون أنفسهم في ما لا فائدة لهم منه.
العجيب في هؤلاء الفضوليين، أنهم ينصرفون بكليّتهم إلى تحرّي أخبار الناس وجمعها وسردها. وكثيرا ما يضيفون إليها ويزيدون عليها ويلبسونها أثوابا فضفاضة من التحوير أو المغالاة، وكل غرضهم، أن يوهموا متلقّي أخبارهم أن ما نقلوه إليه، حقيقة راهنة، بعيدة عن التلفيق والمبالغة.
يتصيّدون الأخبار، ويترصّدون الناس، ويندفعون لمعرفة كل حركة وسكنة يبديها سواهم، من غير أن يدركوا أنهم يضيّعون أوقاتهم، في أمور تافهة سخيفة معيبة.
يتكرّمون بإسداء النصائح والارشادات حتى إلى غير ملتمسيها. ويستنبطون ما يبرّر تدخّلهم في ما لا يعنيهم من قريب ولا من بعيد. يجرون ذلك على أمواج الأثير وفي الصحف والتلفزة وبين محبي الثرثرة والاغتياب حتى عبر وسائل التواصل الجديدة.
هناك طبعا حب الاستطلاع والمعرفة والتوسّع في بحث جديّ ما. وقد يضيق الإنسان بسر من أسراره، فيفضي به إلى من يثق به ويرتاح إليه لينفّس عنه ما يضايقه. عندها، يكتم متلقّي السر سرّه ويحرص عليه ويصونه في أعماق صدره مدى الحياة، ولا يكشفه لأول من يلتقي به من الفضوليين أو من ناهشي الأعراض.
هل مردّ هذا الداء الذي يتفشّى كالسرطان، إلى الطبع أم التطبّع أم الشعور بالفراغ؟ لنفرض أنه الشعور بالفراغ، فلماذا لا نملأ الفراغ بهواية من الهوايات، أو بدراسة علم أو فن أو أدب، أو بمطالعة كتب تصقل أفكارنا، وتهذّب أخلاقنا، وتوسّع آفاق معارفنا؟
ما علينا، إلّا أن نكافح الفضوليين، باحتقارنا إيّاهم، وإعراضنا عنهم، وإمساكنا عن التحدث أمامهم. فلقد يفهمون عندئذ، أن الفضولي محتقر، وان لكل امرئ ملء الحق، في أن يتصرف حصرا في شؤونه الخاصة كما يحب، لأنه خُلق حرّا لا يقيّده قيد، ولا يحدّ من انطلاقته البريئة حاجز.
وعشْ رجبا ترَ عجبا!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه