بيروت - لبنان

27 تموز 2023 12:00ص في التقليد

حجم الخط
ثمّة فرق بين تقليد كبار العالم وتزييف صورهم. التقليد الأعمى من شِيَم الكسالى، والتشابه في التفكير من ميزات «الأحباء» المولهين الباحثين عن الحلول المريحة. أما التناغم فهو ديدن المبدعين. فحذار من رق التقليد غير المستحب وتبعية التشبّه.
التقليد في صميم طبيعة البشر الأولى. يسعون لتقليد الأنشطة الكبيرة، والأولى بهم أن يتلافوا الحسد بل أن يتعلموا بعضهم من أخطاء بعضهم الآخر ولا يعتبروا سلوك معتوه ما بمثابة سابقة مبررة. الإنسان الحذر يفيد من تجاربه الشخصية. أما الحكيم فيفيد من تجارب الآخرين.
شعوبنا خصوصا جد مضحكين إذ يرتاحون الى معاشرة «الآخرين» وتقليدهم. في معظمهم عجز وتفاهة وحقارة لا ترجى منها أي فائدة. يعيشون على منوالهم. يصانعون بعضهم بعضا ويداهنون على رغم أنوفنا... ثم يقضى الأمر الى الأبد!
فليتنا نبحث عن الحقيقة لأن الحقيقة، هي، لا تبحث عنا، ولا نعوّل حصرا على «تقدير» الناس. ليتنا نعيد النظر في بعض أمثالنا الشعبية فلا نعود نقرن مثلا الفاقة بالزهو؛ ونعيش ليس في الخطر بل بعيدا عنه، وتاليا، لا نسمح بإشعال نار الحروب بين الأمم والشعوب؛ ونتوقف عند الاشكاليات الحياتية الكبرى كإشكالية خلود النفس أو فنائها.
لم أتشاءم يوما، فالشك المحرر وحده ديدني بإزاء عبودية الطبيعة والآلة معا، وبإزاء المثبطات البشرية أيضا. فليس من إنسان في وسعه الافتخار بعدم الاستعباد لأحد أي كان. إذ من منا لم يلقَ بين معاشريه أناسا قد طبعوا على الشراسة والشكاسة، أناسا لا تنحل أربتهم، ولا تلين صفاتهم، وكأنهم قدوا من جلمود. فما أحكامهم سوى سلسلة انتقادات جارحة - بعيدا عن الروح النقدية البنّاء - يعربون عنها بألفاظ في منتهى الفظاظة. وربما زادوا في طينها بلّة، بما يبدونه من التقريع الشديد اللهجة، والمعاملة العارية عن كل لطف ورقّة. وإن هم أخلدوا الى السكوت، جاءوا فيه أضرّ منهم في كلامهم، وذلك بما يضمرونه من النيّات الخبيثة، وما يظهرونه من التصرفات المنفرة وما يثيرونه من المقاومات العنيفة.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه