بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تموز 2023 12:00ص في العجلة السلامة!

حجم الخط
كثيرا ما نمدح التأنّي ونذمّ الاستعجال. ولكن، من عالم في انهيار مطّرد، عددت سني عمري فاكتشفت انه بقي لديّ منه أقل مما مضى. شعرتني أشبه بيافع اقتنى علبة ملبّس وسرعان ما ابتلع معظم محتوياتها، ولكنه، عندما رأى انه بقي لديه القليل منه، طفق يتأنّى في التلذذ بتذوّقه!
لم يعد لديّ وقت لحضور اجتماعات لا تنتهي حيث تدور نقاشات حول الأحداث والأشخاص والمخططات، في حين انني على يقين بأن لا شيء سيتغيّر في ظل مجتمع يعيد فيه التاريخ نفسه، بدلا من أن يسير صُعداً من غباوة المادة الجوفاء الى وعي العقل النيّر.
لم يعد لديّ وقت لتحمّل أناس عبثيين وغريبي الأطوار، لم يكبروا رغم تقادم عمرهم الزمني، وما زالوا يأبهون لتوافه الأمور وينقضون بحقدهم انقضاض الصاعقة على أخوتهم في الإنسانية.
لديّ القليل من الوقت بحيث بتّ لا أناقش أحدا حول غرائب الألقاب أو أوهام المناصب. ابتغي حصرا ما هو جوهري لانني في عجلة من أمري.
أود ان أعيش قرب قوم إنسانيين، جد إنسانيين، يهزأون بأغلاطهم ولا يفاخرون بانتصاراتهم. أناس لا يدّعون أنهم من النخبة ويتملصون من أداء واجباتهم. أبحث عن أناس يذودون عن الكرامة، ولا يسيرون إلّا بجانب الحقيقة والحرية.
أريد أن يحيط بي أناس يعرفون كيف يلمسون قلوب أندادهم. أناس علّمتهم الضربات الموجعة في الحياة أن ينموا بمؤازرة لمسات ناعمة في النفس فأمسوا أحنى على كل أبناء جلدتهم يصفحون عن الخطأة ويعزون السقماء والضعفاء.
أجل، اني في عجلة من أمري من غير ان أنزل الرعب في محيطي، ولأعيش من مخزون لا يوفّره إلّا نضج الجهاد، علما بأن ثمة «كبيرا» جاهل و«صغيرا» واعٍ، فمن هو الناضج؟
في ودّي ألا أبدّد أيا من الملبّسات الباقية. وأنا على ثقة بأنها أشهى من تلك التي التهمتها في زمن مضى.
اعتزمت بلوغ النهاية راضيا مسالما مع أقربائي وضميري، عطوفا على كل ضعيف. وما من أحد، على الدهر، أسعد ممن يعطي مجانا، ولا أعقل ولا آنس ولا أتقى. ولا حاجة أن يسير كائن فرد في ركبي!
لنا حياتان، والثانية تبدأ عندما ندرك أن ليس لدينا سوى واحدة!
متى يعود إلى نافذينا صوابهم ويبعث ضميرهم المتصل حيّا في هدي ما أسلفناه؟!...

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه