بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تشرين الثاني 2023 12:00ص كليلة ودمنة

حجم الخط
لفتني تقريظ قرّائي لأسلوبي الرمزي الأخير خصوصا في «كلماتي» بعنوان «مختار النمل»... فمضيت أعيد قراءة بعض ما جاء في كتاب «كليلة ودمنة» الذي يعتمد أيضا الإيحاء والتلميح بالرموز المنبثقة من الصور الحسّية والأساطير.
في «كليلة ودمنة» رموز لحالة ما زالت قائمة في عالم يعجّ بالمتاعب والمصاعب والأرزاء، والحياة فيه تبدو أشبه بمنام يتلوه منام حتى منام لا يقظة منه. إنه كتاب جليل الفائدة لنشئنا، مليء بالأمثلة وقصد من وضعه تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق الفاسدة أو المنحرفة، والإرشاد إلى مداراة الناس والوقوف على ما طبعوا عليه من صفات. ينطوي خصوصا على ما نفتقر إليه نحن من جهة الصدق والصداقة. ويعتبر ناقله عن اللغة الفهلوية ابن المقفع في طليعة كتّاب العربية وأئمة النثر وألطفهم أسلوبا وأعلاهم كعبا في البلاغة والبيان المشرق النضيد.
في ذلك السفر النفيس توصيف لحالة الإنسان وما يعترضه من آلام ممزوجة ببعض الآمال التي تنسيه مآسيه إلى أن يفاجئه الأجل. إنه مرجع برسم أبنائنا الذين كتب عليهم أن يبصروا الوجود ويتعرضوا للمشقات فيقاومونها بقوة وثبات لينتصروا عليها حتى إذا انطفأت آخر شمعة من شموع حياتهم.
في الكتاب إيجاز غير مخلٍّ، ليتنا نتبعه في أنديتنا، والعاقل العاقل من بات من الدنيا على حذر. وضع على ألسنة البهائم والطير تعاليم أخلاقية موجهة أولا إلى الحكام والرعاة. إنه ينطوي على قانون كامل لتصرفهم، وهو خير مثال للثقافة الواسعة والفكر الصافي العميق والأسلوب العالي الرصين. فيه نبل الخلق وكرمه واتساع العقل وقوة اللسان. فليتهم يعتمدونه كما اعتمد سوانا «روح القوانين» لمونتيسكيو!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه