بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيار 2023 12:00ص «لبنان الكبير في الصحافة المهجريّة» في كتاب بحثي مرجعي للدكتورة ليليان قربان عقل

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
إنّ الدخول في البحث الدراسي عن الصحافة المهجريّة واللبنانيين في بلاد الإغتراب هو بمثابة التنقيب عن الكنوز النادرة نظراً لأهميتها على كلّ المستويات ولصعوبة الوصول إلى المصادر الموثوقة والموضوعية في آنٍ معا. مما لا شك فيه، بأن كتاب «لبنان الكبير في الصحافة المهجريّة» (1908-1926) للدكتورة ليليان قربان عقل (الصادر عن دار سائر المشرق 2022) هو أحد أهم وأحدث الأبحاث المرجعية في الصحافة المهجريّة. تناولت فيه الكاتبة المرحلة الفاصلة ما بين الإنقلاب الدستوري عام 1908 وحتى إعلان دستور الجمهورية اللبنانية عام 1926. وما تضمنت هذه المرحلة من تغييرات وتداعيات على أخبار الصحف وفي اتجهات كلّ من صحيفتي «الهدى» لصاحبها نعوم مكرزل الذي دعا إلى إستقلال لبنان، وصحيفة «مرآة الغرب» لصحابها نجيب دياب، ذات الاتجاه العروبي.
يقسم الكتاب إلى خمسة فصول، إضافة الى التقديم الموقع من الدكتور خالد زيادة، وخاتمة، من دون أن ننسى التمهيد ثم الملاحق المهمة التي صورتها الكاتبة من مكتبات مختلفة حول العالم ناهيك عن المراجع الكثيرة التي عكست عمق البحث وجدّيته.
الفصل الأول حمل عنوان: الصحافة اللبنانية في الوطن والمهجر، تحدثت فيه عقل عن المراحل التي شهدتها الصحافة اللبنانية في تاريخها بدءاً من سنة 1858 حتى العام 1914 مع ظهور 20 صحيفة يومية سياسية، و26 مجلة أدبية وعلمية، بالإضافة إلى دوريات أخرى. لكن مناخ حرية التعبير لم يسد طويلا في ظل الهيمنة التركية على الصحف اللبنانية خصوصاً الصادرة في بيروت وفقا ما أشارت الكاتبة. المرحلة الثانية عكست تأثر الصحافة اللبنانية بالحرب العالمية الأولى (1914-1918) في ظل الرقابة العثمانية الخانقة والضائقة المالية في ذلك الحين وما تخللها من هجرة الصحافيين اللبنانيين إلى الخارج وبالتالي تأسيسهم لصحفهم في المهجر. ابتداءً من العام 1920 عرفت الصحف مرحلة إزدهار، وشهدت الطباعة تطورا متمايزاً من المطبعة الوطنية إلى المطبعة الأميركية واليسوعية والأرثوذكسية في ظل المناخ التعليمي والثقافي الغربي الذي كان سائدا آنذاك. 
في هذا الفصل، تغوص الكاتبة في عمق الصحافة المهجريّة وتطوّرها عبر ما أطلق عليهم «الصحافيين الأدباء» كجبران خليل جبران، يوسف عريضة، ميخائيل نعمية، أمين الريحاني، عبد المسيح حداد وغيرهم.. الذين حملوا مشعل الاستقلال والتحرر، وما هجرة الصحافيين اللبنانيين من أرضهم إلّا المنفعة الإيجابية التي زرعوها في بلاد الإغتراب في الكتابة والنشر فصنعوا التطوّر وحققوا الحريّة. في هذا الفصل أيضاً، نعثر على تساؤلات تحمل طروحات الصحافيين في ذلك العصر، فتحدّد الكاتبة في دراستها أثر جريدتي «الهدى» و«مرآة الغرب» الصادرتين في نيويورك (باللغة العربية) في حمل القضايا الوطنية والثقافية والاقتصادية وفي فترة زمنية مفصلية من تاريخ لبنان. لنكتشف كقرّاء أهمية وتأثير دور الصحافة في الحياة السياسية اللبنانية.
الفصل الثاني من الكتاب يغوص في الصحافة المهجرية في أميركا الشمالية تحديداً، فيه تفنّد الكاتبة علامات التميّز لدى الصحافة اللبنانية المهجرية التي نشأت في الأساس كصحافة أدبية ولعلّ هذا ما يبرر بأنّ معظم الصحافيين في الأساس كانوا أدباء. ثم انتقلت إلى السياسة خصوصا مع مشاركة نعوم مكرزل (جريدة «الهدى») ونجيب دياب (جريدة «مرآة الغرب») في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس في العام 1913 مطالباً باللامركزية كخطوة أولى نحو الإستقلال. إذاً، في هذا الفصل تدخل عقل في الخطاب السياسي الذي اعتمدته كلّ من الجريدتين والقضايا العربية التي حملها كلّ من أصحابها. لترصد الكاتبة في الفصل الثالث القضايا اللبنانية تحديداً من مناداة للحرية ومناهضة الظلم وبالتالي صلابة موقف الصحافة على الرغم من ظلم الأتراك واضطهادهم وصولا إلى إعدام بعض الصحافيين الشرفاء في ساحة بيروت. يضطلع القارئ في هذا الجزء على الإضافات التي قدمتها هاتين الصحيفتين في إبراز المواقف الفكرية التي كانت تدافع عنها وأهميتها. تجدر الإشارة إلى أنه وفي ظل موازاة الشعور العربي في مواجهة التتريك، برز الشعور اللبناني والذي تجلّى أيضا في سعي البطريرك الحويك لتوسيع رقعة لبنان. هذا التفكير دعمته جريدة «الهدى» مقابل المناداة بالقومية العربية الذي تبنّاه نجيب دياب.
في الفصل الرابع نعود بالذاكرة إلى المرتكزات التاريخية للبنان والتي انعكست بطبيعة الحال على صحافة المهجر ليتضح للقارئ التباين بين الأيديولوجية اللبنانية والأيديولوجية العربية التي حملتها أفكار أقلام كلّ من الصحيفتين بما فيها مساهمة وقدرة وسائل الإعلام على إثارة المخيّلة الايديولوجية المبتغاة. هنا يطرح سؤال مهم عن دور الصحافة في المؤتمر العربي السوري عام 1913. الحقيقة تدهشنا الباحثة في رصدها للعديد من الجوانب منها عناوين الصفحات الأولى، التغطيات والوقائع، رصد للمؤشرات والمصطلحات والعبارات في العديد من المقالات. وصولا إلى إعلان دولة لبنان الكبير (عام 1920) والإضاءة على ردود الفعل لصحافة الوطن والمهجر مع هذا الإعلان المهم. لا شك بأن قيام الجمهورية اللبنانية وإعلان الدستور عام 1926 أثار غضب أفرقاء آخرين في الوطن كانوا ينادون بالوحدة العربية، هنا تحللّ الدكتورة عقل المضمون النوعي والكمي للمادة الصحفية آنذاك في الفصل الخامس من الكتاب. الجدير بالذكر بأنّ الآراء أتت متفاوتة بحسب أبناء المذاهب المختلفة في هذا الوطن الصغير، ناهيك عن التأثيرات الخارجية خصوصا من الدولة المنتدبة أي فرنسا على واقع الحال في لبنان.
ينتهي البحث بخاتمة واقعية نخالها تنطبق على واقعنا المأزوم لناحية: الاختلاف حول الهوية والانتماء، والانقسام السياسي خصوصاً على قاعدة الانقسام الديني. إنما والرغم من هذا الاختلاف، لا شك بأنه كان وما زال هناك نقاط تلاقٍ نترك لكم متعة إكتشافها.
كتاب بحثي مهم وشيّق تتناول فيه الدكتورة ليليان قربان عقل مرحلة ما زالت إنعكاساتها تتردد في زمننا.