بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 حزيران 2023 12:00ص من أجل مجتمع أقوى

حجم الخط
الثورات الحقة، تحت كل سماء، هي هدف نخبة ممتازة من أحرار الشعوب كافة وكبار علمائها ومفكريها. يستشهد في سبيل فكرتهم النبيلة عدد من الرجال وينطوي عدد آخر، دون أن يتسنى لهم قطف ثمارها الطيبة، ويبقى فريق من الساسة المخلصين ليقدموا إلى أبناء أمتهم حصيلة نضالهم المشرف، ولينعموا بعد ذلك، براحة القلب، وببركة الرب، وبثناء الشعب، ورفقة الخلود.
ان عدداً من «ثوارنا» العرب اليوم، أرادوا «ثوراتهم» انتفاضات دينية أو مذهبية، لا ثورات قومية وطنية بمعناها الصحيح، فتجلّوا شيئاً فشيئا بعيدين من روح التقدم التي تزهر وتثمر وتمتد منها الجذور والفروع. نرجح أن هؤلاء المتمردين على الأحوال السابقة لتحركهم سيميلون إلى التفرقة بين دين ودين والتمييز بين فئة وأخرى ولن تكون في ديارهم مساواة ما بين الحقوق والواجبات... بل إنهم سيتصرفون في روح من الحقد والانتقام.
وهنا، لا بد من أن نركّز على أن لا فضل لأحد على سواه، إلّا بقدر ما ينفع وطنه ويفيد أمته فعلا. ويخطئ كثيراً من يظن من بين هؤلاء «الثوار» أن العروبة معناها الإسلام أو طائفة ما. فالعروبة قومية وليست دينا، والإسلام والنصارى من سكان بلادنا العربية عاشوا متحابين متآلفين، وصمدوا معاً أمام تيارات عنيفة من الفتوحات والمظالم.
هناك كثير من المسيحيين العرب ساهموا مساهمة فاعلة في بناء مجد العروبة، فاستحقوا قدر التاريخ، وامتنان الأجيال الصاعدة. وانه لمن حقنا، ونحن في مطلع انبعاث كهذا، وعلى تحفظاتنا إزاءه، أن نكون في لبنان خصوصا، كتلة واحدة متراصّة الصفوف، منسجمة في العقيدة والجهاد، بعيدة من الشعوبية والإقليمية والطائفية السطحية الموسمية والنعرات المذهبية وإمتداداتها الخارجية والوراثية الداخلية القاتلة، صائحة في وجوه دعاة التفرقة واذناب الإستعمار القديم وربما المستجدّ: كلنا لبنانيون على دين العروبة الحضارية النموذجية في منطقتنا نحيا، وفي سبيل وطننا المفدى نموت.
لقد كنا عرباً قبل المسيح وقبل محمد عليهما السلام. وعلى الرغم من أحداث الزمان، وضغط الغزاة على حرياتنا وعقائدنا ومقومات عيشنا، بقينا على جانب من أصالتنا لا «أصوليتنا»!، لم ننصهر في بوتقات القوميات الغربية، في معظمها، ولم نسلس قيادنا لغير الله عزّ وجلّ على الرغم من بعض الإنحرافات، لأننا، في عمق أعماقنا، معتزون بنسبنا وتاريخنا، فخورون بدمنا الأصيل الجاري في عروقنا، مؤمنون بمستقبل لمّاع نحقق فيه وحدتنا الناجزة السامية.
ينبغي أن يمسي اللبنانيون الشرفاء العقلاء على الخصوص، ممن يرجحون كفّة الميزان اللبناني العربي العلماني على أي كفّة أخرى، وأن يستعيدوا عصرنا الذهبي وحضارتنا الغابرة، أيام كنا من سادة الأرض وبناة صروح العلم والأدب والفن. ونحن على ثقة بأن المجتمع العربي، من خلال وثباته المختلفة، سيؤول به الأمر إلى وثبات أخرى جذرية تستلهم كبار مفكريه ودعاة الخير وقيام الدول، تجمع الشمل وتحقق معجزة العدالة والمحبة معاً.
يبدو أن الكلمة أصبحت اليوم للشعب لا لأصحاب القوة والنفوذ الرخيص. إذا أرادت شعوبنا العربية أمرا وعزمت عليه عزماً أكيداً، بلغته حتما، فليس في العالم، ما يحول دون الإرادة القوية المنبعثة من القلوب الأبيّة المؤمنة بحقها في الحياة، والطامحة إلى مراقي العزّة والفخار.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه