بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 آذار 2024 12:00ص من لبنان الكبير إلى الجمهورية مسار شاق أنتج جمهورية ودولة في محيط إقليمي مضطرب (1/2)

حجم الخط
تأليف: أنطوان الحكيّم، «من دولة لبنان الكبير إلى الجمهورية اللبنانية 1920-1926»، منشورات جامعة الروح القدس - الكسليك، 2024، 365 صفحة. مراجعة: عبد الرؤوف سنّو/مؤرخ وباحث.
أنجز الصديق البروفسور الحكيّم بين العامين 2018 و2024 ثلاثية متكاملة لتاريخ لبنان، امتدت من متصرفية جبل لبنان حتى إعلان الجمهورية اللبنانية. تكمن أهميتها لتناولها نضال لبنانيي الجبل من أجل توسيع جغرافية متصرفيتهم وقدراتها الاقتصادية، لتكون دولة قادرة على الحياة. وفي العام 1920، تحقق هذا المطلب، وبالتالي ولادة الدستور اللبناني وإعلان الجمهورية في العام 1926 الذي كان المؤلف خصص لهما كتابا منفردا باللغة الفرنسية صدر في العام 1996.
بأكاديميته الرصينة، أزال الحكيّم الغموض عن مواقف الطوائف من الدولة الوليدة في كتابه «قراءة في مواقف فاعليّات الطوائف من دولة لبنان الكبير». وأدرك عن حق صعوبة خروج المسلمين من فضائهم العثماني/العربي ليكونوا كباقي الطوائف الأخرى، فيما كان الموارنة متحضرين للبنان المستقل منذ المتصرفية. ولم يكن من السهل على المسلم أن يغيّر هويته ثلاث مرات بين العامين 1909 و1920. مع ذلك، دحض الحكيّم مقولة عدم مشاركة المسلمين في الإدارة اللبنانية، وأبان انخراطهم التدريجي في الدولة الناشئة منذ اليوم الأول لولادة لبنان الكبير.
وفي كتابه بين أيدينا، تناول المؤلف، في مقدمة وفصول خمسة وخاتمة، مرحلة شديدة التعقيد من تاريخ لبنان الكبير والمنطقة، وتقاسم بريطانيا وفرنسا الانتداب عليه وعلى جواره العربي. وتناول في الفصل الأول مفهوم الانتداب وتطبيقه وتطور أجهزته العسكرية والمدنية، وإقامة المؤسسات، وعلاقته بالطوائف الدينية، فضلا عن وضع قانون للانتخابات، وتحديد أعضاء المجلس التمثيلي. ولفت إلى أن لبنان، بدلا من أن ينطلق بتعايش إسلامي - مسيحي مقبول، وجد نفسه محاصرا بالجيوبوليتيك وبالانقسام الداخلي حول هويته: الحركة الفيصلية والاضطرابات في سورية وتأثيرها فيه، بين وحدويين موالين للهاشميين وبين مؤيدين للانتداب، وقيام تركيا الحديثة الوريثة للدولة العثمانية، والصدام بينها وبين اليونانيين والفرنسيين. فضلا عن تعاظم النشاط الصهيوني في فلسطين، الذي شكّل خطرا على أراضي لبنان. وفي الداخل، ظهر بوضوح اتجاهان متناقضان لدعاة القومية اللبنانية وللساعين إلى الوحدة العربية.
ووفق الحكيّم، تقلّبت سياسة فرنسا تجاه مستقبل سورية، بين توحيدها أو تقسيمها إلى كيانات مذهبية. فجعلت فكرة التقسيم الانتداب يصطدم بالحركة الوحدوية السورية التي عارضت الانتداب على لبنان. وفي العام 1923، انهى الفرنسيون الترسيم لحدود لبنان مع فلسطين، الذي صان جنوبه من مطامع الصهيونية. وأشار المؤلف إلى تفكير الانتداب في العام 1925 في إعطاء طرابلس لسورية لإرضاء الوحدويين، وإلى تهديد البطريرك الحويك بنقل القضية اللبنانية إلى صناع بروتوكول العام 1861 (32). لذا، سيأخذ رئيس الجمهورية شارل الدباس موقفا حازما تجاه سيادة لبنان وأراضيه وفق الدستور، بألّا يتنازل عن أي جزء من أرضه. وفي كل الأحوال، يقول الحكيّم إن اختيار دباس للرئاسة كان صائبا، لاعتداله وكونه لا يمثل تحدّيا للطوائف الأخرى، وأن تعيينه من فرنسا جاء لإبعاد الشبهة عنها بأنها تحابي الموارنة، ولقطع الطريق على إميل إده للوصول إلى الرئاسة.
ويتحدث الحكيّم في الفصل الثاني عن المعارضة الداخلية والخارجية للانتداب، محددا الداخلية منها بالقوى الوحدوية ذات الغالبية السنيّة في سورية، وفي المدن الساحلية اللبنانية والبقاع التي شعرت بتداعيات زوال الحكم العثماني عليها. فعلقت أمالها على الهاشميين، وقدمت عرائض الاحتجاج والمناشير ضد الانتداب. وكان تحويل ولاية بيروت إلى وحدة سياسية مستقلة عن لبنان وعن الفدرالية السورية، أهم مطالب الوحدويين. لكن هذه الفكرة لم تصمد طويلا لمصلحة بقاء بيروت وطرابلس ضمن لبنان (ص 52-54).
وفي سورية، اتخذت الاحتجاجات طابع الثورة التي أصابت شظاياها لبنان. وحمّل الحكيّم الانتداب جزءا من مسؤولية اندلاع ثورة جبل الدروز (ص 60-61). أما في خارج بلاد الشام، فقد نشط «حزب الاتحاد السوري» بخليطه الطوائفي ضد الانتداب، وطالب عصبة الأمم بالاعتراف باستقلال سورية ولبنان وفلسطين، أو أن تتحد فيما بينها، أو تنشئ فيدرالية مع دول عربية (ص 75-76).
في الفصل الثالث، أضاء الدكتور المؤلف على علاقة لبنان بمحيطه العربي، وبخاصة بسورية وبالهاشميين في شرقي الأردن والعراق الذين ظلوا يتدخلون في لبنان ويضخون الأموال فيه لجماعاتهم. وتحدث عن علاقة لبنان بفلسطين وترسيم حدوده معها في العام 1923 من قبل لجنة Paulet/Newcombe (ص 126-130). وختم الفصل بإعطاء حيز للتجارة بين دول المشرق العربي مع الانتدابين الفرنسي والبريطاني.
وخصّ المؤلف الفصل الرابع لعلاقات لبنان وسورية بتركيا عبر الانتداب الفرنسي. ففصّل العلاقات الفرنسية - التركية وانعكاسها على الأرمن في كيليكية وهجرتهم إلى سورية ولبنان. وأشار إلى تصدّي تركيا أتاتورك للحلفاء وإحباط معاهدة سيڤر Sevres. وبحث الحكيّم في تبعية الموصل والإسكندرون. وبأن بريطانيا أبقت على الموصل خاضعة لها كمنتدبة على العراق، وفعلت فرنسا الشيء نفسه بالنسبة إلى الإسكندرون، إلى أنها ألحقته بتركيا عشية الحرب العالمية الثانية.
في الفصل الخامس والأخير، تناول الباحث إشكالية صدور الدستور اللبناني، معتبرا أنه منتج لبناني بمنحى ديمقراطي بأيدي جماعات لبنانية متأثرة بالفكر الغربي، وبإرث ديمقراطي لبناني يعود إلى القرن التاسع عشر. وأعطى أمثلة عن المجالس التمثيلية التي أقامها الاحتلال المصري في لبنان، وتأسيس مجلس إدارة جبل لبنان في العام 1861. وأشار إلى رفض اللبنانيين مشروع النظام الأساسي الذي أعده الفرنسيون، وأن الانقسامات حوله بين المفوضية في بيروت والدوائر الفرنسية، وبين الفرنسيين أنفسهم، وبين اللبنانيين والفرنسيين، إلى أن انتزع المجلس التمثيلي حقه في وضعه، وبالتالي تعيين لجنة الـ 13.
(يتبع)