بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آذار 2023 12:00ص ناصر العبدالله في «غواية الورد، فتنة الياسمين» من خلف تلال الأدب والشعر

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
بين الورد والياسمين، يكمل الأديب والشاعر ناصر العبدالله نسج خواطره الشعرية والنثرية: (غواية الورد، فتنة الياسمين. فواصل. بيروت 2023: 146ص. تقريبا). يريد أن يذهب إلى الحقول، إلى الينابيع، ليأتي بالضمامات، رزما رزما.. ليأتي بالضمامات حزما حزما.. يجعلها بين يدي القرّاء، ويقول لهم: أنا هنا.
«تختلف وتتعدد مواضيع القصائد والنصوص وتمتد من العاطفي الرومانسي إلى التأمل الفلسفي مرورا بالإجتماعي والسياسي. أما الأسلوب فيتراوح بين الكلاسيكي والحديث مرورا بالملتزم الهادف، والحر الباحث وصولا إلى السوريالي المأخوذ بفنتازيا الكتابة حيث تتوالد المفردات والعبارات والصور من ذواتها المشبعة بالرغبة في القول والتعبير».
إلى ذلك يقول ناصر: أنا الورد والشوق واللهفة الحانية، على ياسمينة عرشت فوق بوابة بيتي منذ الطفولة. وها أنذا لا أزال ذلك الطفل، الذي يأتي من الحقول ومن الجلول، حاملا بين يديه، طاقات الورد وفي عنقه طوق الياسمين، يخلعهما على أحبته، حين اللقاء بهم في أوساط النهار، وفي الأماسي العبقة بالعطر والشغف والحب والفوضى، مثل أوراق ذبلت، مثل أوراق نثرت، مثل أوراق سقطت في الطريق.
«يا صفصافة القلب/ يا قبلة الصلاة/ يا ماء الوضوء/ لم تزل يداك/ تضيء دروب الأمل/ وإبتسامتك/ ياسمين تلك الدروب».
ناصر العبدالله، شقيق الشاعر الراحل محمد العبدالله، يعيد لنا الذكرى، يحيي فينا الذاكرة. حبل من الياسمين والورد والذكريات، هو ديوانه الجديد هذا.. مثل حبال الطفولة، مثل أراجيحها، مثل أغانيها، مثل عذوبة نهر يثرثر من نبعة القلب التي لا تنضب، حين يحدثك عن الشغف الأوّلاني الأصيل.
«كيف لي/ أن أسكب/ فوق هذا الصباح... صباحا/كيف لي/ أن أصنع/ من ألق المكان... كلاما/ كيف لي.. / ثم يباغتني نسيم أن تكوني/ جسدا/ يعيد ترتيب تفاصيل الهواء/ فأفتح/ في كتاب البحر/ صفحة للماء/ وصفحة/ كي أقرأ في كفي وجهك/ فارى نرجسا/ وأرى أقحوانا/ وأرى ما أرى/ بعض أسرار الغناء».
كيف يكون ناصر العبدالله، بل كيف تكون حاله، وهو يذهب للطبيعة في بكورتها، يعبُّ من ينابيعها الطرية مثل وردة، مثل تربونة حبق أو ياسمين.. كل شيء نديّ في ديوانه: عقد من النثر والشعر. تحار بينهما، أيهما الشعر، وأيهما النثر، في وحدة النسيج القلبي والعاطفي الجميل.
«... أنثرها في الهواء/ كي يتابع ليله/ على مهل... ذاك المساء».
خواطر شعرية ونثرية، تفتقت له من معطف الأدب الغزير. فصار يملأ كيلته، بحنو يديه. يعبّ الشراب، يعبئ الجرار، يشعل القناديل، يضوئ أول الطريق، فتهتدي إليه، كل هذي الجموع من الطير والحمام واليمام والعصافير.
«في فيء نخلة/ تقيمين/ بين مريمين».
تراه بين أحضان الطبيعة يرعى النجوم. تراه على حوائط الدارة مثل ظلال الغمامات. تراه: حانيا باكيا هاجعا، مثل طفل عاد من درسه، وفي خاطره وردة الحب والمستحيل.
«... كما عبر من قبلك/ من الريبة إلى الدهشة/ كل العاشقين».
ليس الأديب الشفيف، الثقيف، ناصر العبدالله، أخا الشاعر الراحل محمد العبدالله وحسب، وإنما هو أخو سفر في الطريق. ضرب عصاه في الأرض، شقّها نصفين من نثر ومن شعر. وإستراح بين الضفتين، يعبر، ثم يعبر، حتى معبوره الأخير، عربشت عليه أسيجة الورد والياسمين.
«عيونك أنت/ ربيعي وصيفي/ شتايي... والخريف/ وما بعود بعرف... كيف».
يا لجمال اللغة.. يا لجمال ظلال اللغة. يا لنسيج يشفّ عن لغة القلب عن جمال شمس الأصيل. كم لهفة تلفتنا إلى معنى هارب من لفظة أديبة، هروب طفلة من صفها. هروب صف من العصافير، طار فجأة من بوابة المدرسة، يلتقط الحب من بيادر الصيف، يلتقط الدموع، من الغيمات، من الحلوات، من خد طفلة باكية، عند هروب الحبيب.
«نكسر قيود الهوان والذل/ ونحطم جدار الخوف والقهر/ ونمشي/ ويمشي معنا موج البحر/ الله... محلاه نسيم الحرية...».
ناصر العبدالله، هو كل ذلك وأكثر في ديوانه الشعري الأخير. يقول ما لم يقله الآخرون، في دنيا تتسع للجميع. دنيا الأدب، التي عرج عليها الكبار. عرجوا بعد ذلك إلى التلال، وبأيديهم سلال الورود والياسمين. لمحت بينهم، ناصر العبدالله، متدثرا بالأدب والشعر وبظل غيمة مسافرة، ضربت لنفسها موعدا، مع صباح قادم جميل.
«بنت وصبي زغار/ والنهار جديد/ صبح/ بعو بأولو/ عم يضحكو ويلعبو بالدار».
عائد إلينا ناصر عبدالله، من خلف تلال الأدب والشعر، على ظهره كشة، وبين يديه قلم ودواة، يحبر دروب الحروب التي مرّت من هنا، قوافل من دم وحبر وأدباء وشهداء. ما هذا الرجل الفاتن الذي لا ينطق إلا الكبرياء، تعالى فوق الجراح، صبّ فيها كاساته من عبق الورد ومن ضوع الياسمين، ثم مضى، خلف سهمه فوق الذرى، يريد قطوف النجوم الدانية.
«في سهل الخيام، ورأس من البندورة الحمراء الزكية وبصلتان بأوراق خضراء طويلة قوية، كنا قد زرعناها سويا في حاكورة البيت...».
ناصر العبدالله، ليس ذلك صعبا عليك، أنت الذي تعد بالممكنات، وكذا الأمر بالمستحيل..

أستاذ في الجامعة اللبنانية