بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آذار 2024 12:00ص نظرة في الكون!

حجم الخط
تختلف النظرة في الشيء، باختلاف عقلية الناظر. فإن ما تراه أنت جميلا، قد يراه غيرك عاديا أو فاقد الجمال، وان ما يروق لك من زيّ أو شكل، قد لا يروق لسواك. فلكل امرئ رأيه وذوقه ونظرته.
إن المتفائلين من الناس، يرون الدنيا ضاحكة باسمة هانئة، على عكس المتشائمين الذين يجدون كل ما يحيط بهم عابسا متجهّما. فمن يضع على عينيه نظارة بيضاء الزجاج، يرى الأشياء في لونها الطبيعي. أما من يضع على عينيه نظارة سوداء، فإنه يجد كل ما يقع عليه بصره أسود كئيبا.
علينا إذا، أن ننظر إلى ما حولنا، نظرات مجرّدة بريئة، لنستطيع أن نشاهد حقائق الأشياء، ولنتمكن من استجلاء ما قد يخفى علينا من شؤون.
يضيق الكون في نظر بعض الناس، رغم رحابة أرضه، ورفعة سمائه، ويبدو داكنا في عيونهم، رغم ما فيه من بهاء ورواء وجمال، فكأنهم لا يرون منه إلّا الجانب الموحش الكئيب. بيد أن هناك أناسا آخرين، ينعمون ببدائع هذا العالم الواسع، ويمتّعون قلوبهم بمفاتن الطبيعة الباسمة، وبما فيها من صور سحرية آخاذة. فهم يبتهجون بكل ما يتراءى لهم، ويفيضون في وصف هذه النيّرات التي أبدعتها يد الخالق القدير العظيم. فأشعة الشمس عندهم كخيوط الذهب، وأنوار القمر المطلّ من قمة السماء الفسيحة، كحبال اللؤلؤ المنظوم، والنجوم اللامعة في الفضاء اللامتناهي كعيون مشعّة بالأمل البسّام، والسهل الموشّى بالزهور والأعشاب، كحلّة قشيبة خضراء من حلل الربيع الزاهي، والقمم الشامخة المتوّجة بالغيوم الملونة، رمز المهابة والجلال في عقيدة أولئك المتفائلين، الذين يعيشون في جو من الرجاء والهناء، والذين يخلقون في محيطهم، عالما مشعّا بالزهو واللهو والطرب والراحة الفكرية الوادعة.
حبذا لو نظرنا كلنا، في هدي العلوم الإنسانية وروحية الأديان، إلى الكون نظرات التفاؤل الخالص، ولو متّعنا أفئدتنا بالمرح والفرح. فالحياة قصيرة يجدر باللبيب العاقل، أن ينعم بمسرّاتها البريئة ومباهجها المستحبة. وقد قيل «اضحك تضحك لك الدنيا».
كثيرا ما ردّدت أمام طلابي الجامعيين في لبنان والخارج، أن الإنسان يولد مسيّرا ويحيا حرّا ويرحل مسؤولا! فالاعراض عن التشاؤم راحة وطمأنينة للذات، والتفاؤل مجلبة للرغد والسعد والصفاء. فجدير بكل امرئ، أن ينظر إلى الحياة، نظرة كلها سرور وحبور، وكلها قوة وإيمان. وعندئذ تسلس له الأمور قيادها، وتنيله الأمنيات طيباتها.
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه