بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 آذار 2024 12:00ص نقلاً عن «ناشطون» وسائل «التباعد» الإجتماعي وحرية التعبير

حجم الخط
د. سابا قيصر زريق

رمى مبتكرو «الإعلام الإجتماعي» أو «السوشيال ميديا»، باستحداثهم لتطبيقات إلكترونية، إلى جعل مستخدميها يتواصلون ويتفاعلون ويتحاورون ويتقاربون، بالصوت والصورة. والفايسبوك و الـ X (التويتر سابقاً) والواتساب والانستغرام هم من أبرز تلك التطبيقات، التي يبحر مستخدموها على بساط أثير الإنترنت، مقلّصين بذلك الكرة الأرضية ليجعلوها «طاولة حوار»، مهما كانت المسافات بينهم قاصية. غير أن بعض مستخدمي هذه التطبيقات يسيئون استخدامها مبررين ذلك بحرية الرأي والتعبير، ويُقدِمون دون قيد على المراسلة والدردشة، ليس بهدف التعارف وتبادل الآراء وتقريب وجهات النظر في ما بينهم، بل تجاوزوا هذه الأهداف المشروعة ليقعوا في المحظور ويوقعوا بين المتراسلين والمدردشين.
نقرأ أحياناً في مجموعات الواتساب وما يشابهها، لغةً، ونستمع إلى تسجيلات صوتية هي أبعد ما تكون عن أصول التخاطب الحضاري. إذ يصطف «المدردشون» على ضفاف مقابلة، معمّقين الشرخ بينها، بتغريدات هي أشبه بنعيق الغربان، ناهيكم عن الشتائم التي يتبادلونها وكأنهم يتراشقون برصاص كلامي. والنتيجة هي أن ما استنبط أساساً ليكون جسر تواصل أضحى وسيلة تباعد تتسبب بصدعٍ من الصعب رأبه؛ لا سيما أن عولمة التكنولوجيا الرقمية وكون مؤلفو المضامين المخزية مسجلين على مواقع مغلّفة في غيمة افتراضية، لا سلطة واضحة لقضاءٍ معيّن عليها، مما يجعل مقاضاتهم من الصعوبة بمكان.
أما الطامة الكبرى فهي إستغلال سرعة نشر الأخبار على وسائل التواصل الإجتماعي لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد ولبثّ أخبار مفبركة، بهدف التأثير على الرأي العام، الذي يتلقّفها ويصدّقها. فباسم حرية التعبير، ترتكب أفعال القدح والذم والتهويل ابتزازاً وتنمّراً ومسّاً بحرمة وكرامة الأشخاص المستهدفين، ناهيكم عن تفشي الإباحية الفاضحة على تلك الوسائل.
كما ويلجأ سياسيون، وبخاصة من منهم تتراجع شعبيته، الى تجنيد مرتزقة من الجيوش الإلكترونية، يملون عليهم تعليمات، يترجمها أولئك الجنود المأجورون تهجّماً شرساً على الأخصام بهدف اغتيالهم سياسياً.
وبالطبع، إن الاتكاء على حرية التعبير لتخطّي كل الحدود الأخلاقية، ممارسة شائنة بحد ذاتها. وهيهات لو أن مصممي وسائل التواصل الإجتماعي يرسمون ضوابط رادعة، تكون كافية لتأمين مناخ يسمح بالتواصل الحر من جهة والملتزم أخلاقياً من جهة أخرى، على أن يكون خالياً من الإسفاف والسوقية.

مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية