بيروت - لبنان

6 حزيران 2023 12:00ص واتلفازاه! (١)

حجم الخط
أضواء التلفاز تتلألأ في الآفاق العابسة، وإن هي عكستها أحيانا! تضحك ليالينا وتعرض على نواظرنا مشاهد باهرة وروايات صاخبة، وتحمل الى آذاننا ألحانا. والشاشة الصغيرة أمامنا كعبد من الجن أمين، يسكت إن آثرت السكوت، ويتكلم بألف لسان ولسان، ان أحببنا البيان.
هوذا عصر التلفاز وما إليه. انه عصر غريب عجيب أبت الألسنة إلّا أن تسمّيه عصر المدنية والتقدّم وتفتح أذهان أطفالنا الطرية. وأبى المنطق السليم إلّا أن يسمّيه عصر الوحشية والتقهقر.
أبعدتنا الشاشات عن جلال السكون، وظلال الراحة، وخميلة الطمأنينة، لتدفعنا في معترك الشغب وغمرة التعب وجحيم القلق والاضطراب.
خلع التلفاز قميص العفّة وثوب الرحمة ورداء المكرمات، ليتعرّى على مسرح الترهّات والشهوات.
داس التلفاز تيجان الحكمة وجواهر الفلسفة ومطارف العزّة والشرف والفضيلة، ليقلبنا على أحذية الجهالة وأسمال الإذلال.
نبذ التلفاز أقوال الأنبياء والرسل ليتمسّك بمبادئ الأنانية والطغيان وليتناحر في ميدان التعصّب المقيت، باسم الدين والإيمان.
أعطانا الأنوار الباهرة وأخذ منا المروءة والآباء. أهدى إلينا الروايات الأجنبية واغتصب منا لهونا البريء، وليالينا المملوءة بالسمر الشيق والأحلام العذاب. أنالنا الحرية المتطرفة المتخندقة المرتهنة ولو بالمشاهد العابرة المحيطات، ليسلبنا لؤلؤة الحياء والكرامة.
هناك برامج تستحم في حوض المادة، وتتنشف بملاءة الخلاعة، وتتعطّر بعبق الخمور، وترقص في مسرح اللذات والمطامع، وتترامى على فراش المنكرات.
أشخاص ماجنون أخذوا ثياب الحرائر ووقفوا أمام مرآة الابتكار، فوضعوا القميص مكان الرداء والقبعة موضع الحذاء!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه