بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الثاني 2024 12:00ص وداع واستقبال!

حجم الخط
ودّعنا عاما واستقبلنا آخر، وكلنا إيمان بالله، وثقة بقدسية الرسالة الأدبية، التي نساهم في تأديتها، بكل ما نقوى عليه من دأب وإخلاص.
وكل من تتبّع مقالاتنا منذ عام ١٩٦٨، في أزمنة عصيبة، طغت فيها السياسة الحصرية على الأدب، فأذبلت زهوره، وقضت على كثير من الصحف الأدبية، يلمس ما تستهدفه الآداب من غايات بعيدة عما يخلقه السياسيون من مشاكل تتناحر فيها الأهواء، وتتنازع تحت ظلالها المطامع.
وكان وما زال من المؤلم، أن ينغمس في السياسة، أناس لا يفهمون من شؤون الحياة شأنا. فهم يتحزّبون لأمة ويتنكّرون لأمة أخرى حتى إذا كانت أمتهم، من غير أن يعرفوا لماذا يتحزّبون ولماذا يتنكّرون. وهم يدلون إليك بآراء تتعلق بدول وشعوب، لا يستطيعون أن يميّزوا هل تعيش على ظهر البسيطة أو في بطن المريخ.
ومع ذلك، يناقشون ويجادلون ويستعرضون الحوادث العالمية، ويحللون المواقف الدولية، ويقسمون لك أنهم على صواب مبين، وان النتيجة الحاسمة ستنجلي عما يتوقعون.
وتمرُّ الأيام، وتطلُّ الحقائق، فإذا تكهناتهم مواكب من الوهم والخيال، وإذا بهم يقتلون الوقت في جدال عقيم.
إن أصغر أجير لأبسط المهن، يتحدث عندنا بالسياسة (والطب أيضا!)، فهو ذو نظرات صائبة، وآراء سديدة رشيدة قلّما تخطئ. فإذا سمع شيئا عن معركة «العلمين» مثلا، حدّثك بها بما يصوّره له الغرور، وانتقد خطط رومل وبيّن لك الوسيلة التي يزعم - الأجير الخبير - أنها كانت تمكّن القائد الألماني من الثبات والانتصار.
شاء ربك أن يعيش قلمنا مع كل ما لقيه من إعراض «المسؤولين» والتجار. وها نحن اليوم، نستقبل عاما جديدا، ولكننا لا نأمل أن نكون فيه أسعد حالا، أمام تيار الفوضى الجامحة.
سنواصل جهادنا ونستمر سائرين نحو أهدافنا المثلى، بخطوات إذا كانت قصيرة بعض الشيء، فإنها ثابتة راسخة متزنة، تظل، بإذن الله وحسن رعايته، ساعية إلى ما فيه خدمة المعرفة والثقافة. وإن لنا ولصحيفتنا النموذجية الصامدة، من تشجيع أصدقائنا وقرّائنا، ما يمكّننا من تأدية رسالتنا، التي لا تقلّ، في نظر الحكومات الراقية، عن رسالة الجندي، الذي يضحّي حتى الشهادة بأعزّ ما لديه في سبيل بلاده.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه