بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

3 حزيران 2022 12:00ص قطعتُ عهداً!

حجم الخط
قطعتُ عهداً على نفسي أن أبتعد عن الشكوى والاحتجاج والاستياء والشجْب والتبرّم. وأن لا أتأفّف من شيء أو اتضجَر من عمل أو أتكدّر من خبر أو أكتئب من ملمّة تصيبني. وقررت أن أنسى شعور الانزعاج والغضب والأسى والملل والسّأم. وأن أعضّ بأسناني على حبل الصبر والتحمّل والتجلّد والتأسي. وأن أتبصّر في أموري وأحوالي كلَما تبدّلت وتحوّلت، ما استطعت إلى ذلك سبيلا. فلا أسبّ زماني ولا ألعن مُقامي ولا أهجر أهلي وداري. 
سأكون أكثر هدوءاً من جثَة خلف باب مُغلق، وأكثر اتساعاً من صحراء تلمع في الظهيرة، وأكثر إصاخة من عقل في رواق فلاسفة اليونان. لن أحرق دمي في نار الجدالات. ولن أبدّد وقتي في مطاردة الأمنيات. ولن أفتح قلبي لكل قوّال وعابر نصّ. سأتقبّل كلّ شيء ولا شيء. كأني في حال من الاستواء أحيا وأموت في كل آن. إن دفعَتْ عني يدايا أذى، كان شرًا أخطأني، وإن أقصََرَتْ عنه، كان خيراً آتاني من وراء حجاب. 
وإن حزَبَني أمرٌ أفزعْتُ إلى غيره، وإن فاتني خطْبٌ، آنست من عمري رشداًً. فلا أغلو فيه، ولا يغلي ندمي فيّ. فلا الألم يدوم، ولا السعادة تطول. الكل في غيْهب من نفسه ومن غيره. وإن مرْجحني الحزن على عتبات العمر، عتبة عتبة، فإنّ لي في الرّجاء قصيدة وقافية لا تبلى. 
وغداً سأكون صديقاً للحبر وللخشب. أكتبُ لأمحو عن دفاتري زلّات القلم ومثالب السطور وما بينها. سأفرغ إلى نفسي وأطهّر منازلها كي تسكنها الذكرى على شرفات من ضوء وغبار خفيف. 
وإذا أحدٌ كلّمني سأقول وداعاً أيها السائل منّي جواباً لست أصنعه لغيري. آلا ترى إلى الطير على رأسي هامداً؟ فلا توقظه، ولا تهزّ جناحيه بَلغْوِك.   
ألا تعقل ألا حياة لمن يناديه الموت من بعيد. وأنه لن يبقى أحد معك إلا من يكون للرحيل عنك مستعداً.