بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 آذار 2023 12:00ص 129 يوماً على الشغور الرئاسي.. 9 عهود استقلالية من 13 انتهت بأزمات (1/3)

بشارة الخوري: «الحق ع الطليان» وكميل شمعون يُبدي خيبته من الأميركيين

بشارة الخوري بشارة الخوري
حجم الخط
129 يوما على الشغور الرئاسي في لبنان، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق قريبا، وبعد 11 جلسة انتخابية لم تسفر عن أي نتيجة، تستمر الحكومة الميقاتية الثالثة التي تعتبر مستقيلة منذ بدء ولاية مجلس نواب 2022 في 22 أيار الفائت في مهام تصريف الأعمال، في وقت يواصل الدولار ألاعيبه وتحليقه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، يتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي ، وإقليمي وتحديدا عربي كان يطلق عليه فيما مضى «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد.
بأي حال، فإن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، وبالتالي سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا» ويدخل اليوم 129 على شغور الكرسي الأولى، ولبنان أمام استحقاقات دستورية هامة أبرزها الانتخابات البلدية والاختيارية التي تنتهي ولايتها في 31 أيار المقبل، في وقت تتواصل معه مرارات اللبنانيين التي باتت تطال كل تفاصيل حياتهم اليومية، يبدو أننا في لبنان درجت العادة أن يختتم كل عهد رئاسي بأزمة حادة تهدّد المصير الوطني، مما يؤشر بوضوح الى أن ثمة أزمة نظام واشكاليات دستورية، طبعا باستثناء نهاية عهد مرّت نهايتيهما بسلام.

فيما ينتظر اللبنانيون رئيسهم الاستقلالي الـ 14 وانتهاء فراغ المركز الأول الذي يبدأ اليوم التاسع من بدء الشهر الخامس من هذا الفراغ، مكررا بذلك مسيرة نهاية العهود التي عرفها لبنان منذ العام 1943، باستثناء عهد هما: عهد الرئيس فؤاد شهاب (1958-1964) وعهد الرئيس إلياس الهراوي (1989-1998)، وعهد لم يبدأ فعليا، وهما: الرئيسان بشير الجميل ورينه معوض، حيث انتخب الأول في 23 آب 1982 في ظل الاجتياح الإسرائيلي واغتيل عند الساعة الرابعة من بعد ظهر الثلاثاء في 14 أيلول قبل أن يتسلم سلطاته الدستورية في 23 أيلول. والثاني انتخب بعد 409 أيام من الفراغ الرئاسي، وبعد إنجاز اتفاق الطائف، حيث عقد مجلس النواب جلسة في مطار القليعات في شمال لبنان الخامس من تشرين الثاني 1989، انتخب خلالها الرئيس معوض الذي اغتيل بعد 17 يوما.
نهاية العهد الاستقلالي الأول
أما بقية العهود الرئاسية فقد تميّزت نهاياتها بالأزمات، فالرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري (1943-1952) لم يستطع أن ينهي ولاية عهد الثانية المجددة فاستقال في منتصفها، بعد أزمة عاصفة، فكانت الضغوطات الخارجية وسلسلة من العوامل الداخلية المتناقضة والمتضادة التي تحالفت ضد الرئيس بشارة الخوري جعلته لا يكمل ولايته الثانية.. ويمكن اختصار هذه العوامل:
- التدخّل السافر للسفارة البريطانية التي «وجدت من الأفضل لمصالحها الاعتماد على المعارضة بدل الاعتماد على من هم في الحكم والسلطة، وهي استراتيجية مألوفة لدى دول أجنبية عديدة، قوامها تحالف مع المعارضة لإنهاك الحكم وإيصال المعارضة من ثم لتسلّم قمّة السلطة».
- عرض وزارة الخارجية على شخصية من وزن شارل مالك، ذي العلاقات والروابط الحميمة جداً مع واشنطن لا مع لندن. وهذا ما جعل بريطانيا تسرع في العمل لإزاحة الرئيس بشارة الخوري بشتى الوسائل والسبل وقد كان الرئيس بشارة الخوري الذي احتفظ رغم هزيمته، بروح النكتة. يلمح إلى الانكليز ويقول: «الحق على الطليان» حتى انها صارت عنواناً لاحدى مسرحيات شوشو في نهاية ستينات القرن الماضي، وهكذا شاعت هذه العبارة وهي تردّد كثيراً عند توجيه نقد أو شكوى ضد إحدى الدول الأجنبية المتدخلة في الشؤون اللبنانية.
• تكتل قوى وشخصيات سياسية متناقضة الميول والمصالح، ولكل منها حساباتها ضد الرئيس بشارة الخوري. ويضاف الى كل ذلك الفساد الذي كان كثير من الكلام حوله ومورس بواسطة شقيق رئيس الجمهورية الذي عرف بـ (السلطان سليم) في حينه.
العهد الاستقلالي الثاني
نهاية العهد الاستقلالي الثاني أي عهد الرئيس كميل شمعون (1952-1958) كانت أزمة وطنية طاحنة وثورة، فالرئيس شمعون منذ انتخابه في أيلول 1952 اعتمد حتى العام 1954 سياسة خارجية معتدلة مستوحاة من ميثاق 1943 أي منفتحة على سوريا.
كما حافظ لبنان في هذه الفترة على علاقاته الجيدة مع مصر في السنوات الثلاث الأولى التي تلت قيام الثورة المصرية، بالإضافة إلى ذلك أقام الرئيس شمعون علاقة ودّية جديدة مع المملكة العربية السعودية.
وإذا كان لبنان قد وقع في العام 1952 معاهدة الدفاع العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية، فإنه ابتداء من عام 1954 «أخذت السياسة الخارجية اللبنانية، تواجه تحديات عديدة على الصعيدين: الدولي والإقليمي، خصوصا في ظل حرص الغرب بعد الفراغ الذي أحدثه انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس، على إنشاء أحلاف عسكرية أبرزها (حلف بغداد) وأعلنت العراق وتركيا استعدادهما للدخول فيه، كما أبدى العهد الشمعوني استعدادا للانضمام الى هذا الحلف، الذي انهار إثر قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق.
ما ان أطلّ العام 1957، لنشاهد على حدّ تعبير يوسف سالم: «وطنا منقسما على نفسه» لأنَّ «فريقا من اللبنانيين يرى في كميل شمعون خصماً يجب التخلص منه بأيَّ شكل من الاشكال، ويتلقى هذا الفريق من خارج لبنان كل أشكال الدعم، وفريق آخر يرى في رئيس الجمهورية الرجل العنيد الصامد الذي يرد للطامعين بلبنان الكيل كيلين ولا يكتفي بالدفاع بل يتعمد الهجوم». في هذا الوقت كما يقول ادمون رباط أعلن «الرئيس الأميركي ايزنهاور عن مشروع يقضي بتولي الولايات المتحدة الأميركية تنسيق وسائل الدفاع الغربية في الشرق الأوسط، والتعاون مع الدول العربية للدفاع عن المنطقة ضد الخطر الأحمر، وأرسل الرئيس ايزنهاور موفدا عنه، هو المستر جايمز ريتشاردز، لمفاوضة الدول العربية حول هذا الشأن»، فسارعت الحكومة اللبنانية إلى «تبنّي مشروع ايزنهاور، وكان ذلك دليلاً واضحاً على انحياز الحكم اللبناني إلى الغرب ومقاومته لتيار القومية العربية الذي كان جمال عبد الناصر قد أصبح زعيمه، الأمر الذي اثار حملة سورية ومصرية ضده، ما لبث المسلمون اللبنانيون ان تأثروا بها. وفي 6 آذار 1957 صدر بيان مشترك لبناني - أميركي وقّعه عن الجانب اللبناني وزير الخارجية آنئذ شارل مالك، يعلن انضمام لبنان إلى المشروع الأميركي، فكان ذلك إيذاناً ببلوغ لبنان نقطة اللارجوع في علاقاته مع مصر..».
فتشكّلت في ربيع عام 1957 جبهة الاتحاد الوطني التي ضمّت العديد من الشخصيات نذكر منهم: صبري حمادة، أحمد الأسعد، حميد فرنجية، حسين العويني، صائب سلام، عبد الله اليافي وفيليب تقلا. وكان من أهداف هذه الجبهة:
- رفض الأحلاف الأجنبية.
- تبنّي سياسة خارجية محايدة ومستقلة بين المعسكرين.
- مواصلة النضال لتحرير العالم العربي.
- التمسّك بالميثاق الوطني وبالتعاون بين المسلمين والمسيحيين.
في تلك الفترة جرت الانتخابات النيابية، وعلى حدّ تعبير الرئيس صائب سلام، فإنَّ وقائع وأحداث عام 1957 أسست لأزمة عام 1958، إذ انه في شهر حزيران من عام 1957 جرت الانتخابات النيابية التي رفع بموجبها عدد أعضاء المجلس النيابي إلى 66 بدلاً من 44 نائباً، والتي وصفت بأنها تميّزت بتزوير واسع.
ترافق كل ذلك مع محاولات شمعونية التجديد لولاية رئاسية جديدة، مما زاد من وتيرة التوتر الداخلي، وكان لقيام الثورة في العراق في 14 تموز 1958 من شأنه تشجيع الثوار على الاستيلاء على الحكم في لبنان. وهنا، يقول شمعون، استدعيت سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا وطلبت تدخل الأسطول السادس.
لم تستجب واشنطن في البدء لطلب شمعون بإنزال قوات البحرية الأميركية، ولكن قيام ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق وسقوط النظام الملكي، جعل واشنطن تستجيب لطلب الرئيس شمعون وأنزلت قوات المارينز على شواطئ بيروت تنفيذاً لمبدأ ايزنهاور وقد صرّح الرئيس ايزنهاور آنئذٍ، انه لم يفعل ذلك إلا تلبية لنداء رئيس الجمهورية اللبنانية.
عند تسارع الأحداث على النحو، أوفد الرئيس الأميركي ايزنهاور مساعده روبرت مورفي إلى لبنان، الذي اجتمع مع كل الأطراف. وتدارس الموقف معهم، ودسّ كما يقول يوسف سالم «اثناء حديثه سؤالاً عن الرجل الذي يستطيع فيما إذا تولى الحكم، أن يُعيد الأمن والطمأنينة إلى لبنان ويقضي على الفتنة» فكان إجماع المعارضة على رفض تجديد الولاية لشمعون، وفهم من حديثهم ان اسم الجنرال فؤاد شهاب مقبول».
وزار مورفي «شمعون ونصحه بأن لا يفكر في التجديد حتى لا يقال انه استعان بالجيش الأميركي ليجدد الرئاسة لنفسه، فأعرب له الرئيس شمعون عن خيبة أمله في أصدقائه الغربيين وفي طليعتهم الأميركيين» وقال له: «اني أحصد ثمار موقفي معكم ضد الشيوعية، وها انتم الآن تقفون مع المعارضة ضدي».
وأجاب مورفي، كما يُؤكّد يوسف سالم، جواباً قاطعاً بقوله: «لا تجديد، وإنما نترك لك يا حضرة الرئيس أن تفكر في الأمر، ويبدو لي، بعد أن درست الموقف، ان اللواء فؤاد شهاب هو أصلح المرشحين في هذه الفترة العصيبة التي يمرّ بها لبنان». وفي الحقيقة فان هذا الخيار جاء مطابقا لما كان طرحه الرئيس جمال عبد الناصر، حين بحث معه موفد أميركي الأزمة، فأكد له لو كان القرار له وحده فان أفضل من يقول لبنان في تلك المرحلة هما: فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية ورشيد كرامي رئيسا للحكومة.. وهكذا كان.