8 حزيران 2023 12:01ص الصراع المسيحي – المسيحي من 1932 حتى اليوم أضعف الرئاسة (1)

220 يوماً على الشغور الرئاسي .. فهل تلحق الجلسة 12 بأخواتها الـ11 ؟

حجم الخط
220 يوماً مروا على الشغور الرئاسي في لبنان، من دون ان تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق ،وبعد 11 جلسة انتخابية لم تسفرعن أي نتيجة، وحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة ال12 لانتخاب الرئيس الأسبوع المقبل في 14 حزيران الحالي، حيث يتوقع أن يتلحق هذه الجلسة بسابقاتها ال11، في وقت يواصل الدولار الاعيبه وتحليقه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، وهو ما دعا  «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» لان يشير في بيان له ،» الى أن الانهيار الذي تشهده الليرة مقابل الدولار الاميركي في بيروت كبير جداً ويستدعي التوقّف عنده»، مشددا على أن» المسؤولية الكبرى تقع على الحكومة وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق في العديد من دول العالم بتهم الاختلاس وتبييض الاموال والاثراء غير المشروع والتزوير واستعمال المزور». 
بشكل عام يتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظارإشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي، كان يطلق عليه فيما مضى « الوحي « الذي يحوله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، ولأن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد، ليحولها نواب «الأمة «الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية،  سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، وليستمر التنافس المسيحي – المسيحي وخصوصا الماروني – الماروني على الكرسي الاولي منذ زمن الانتداب حتى اليوم، واتخذ في أحيان كثير حد الاحتراب. هذا ما سنحاول تفصيله في أكثر من حلقة. 
في السيرة الرئاسية اللبنانية كثيرة الانقلابات وتغيير المواقف، منذ أيام الانتداب الفرنسي، التي وصلت أحيانا حد التخلي الماروني عن الموقع الأول، كما حصل في عام 1931، بدء مع الولاية المجددة لأول رئيس جمهورية شارل دباس (كانت الولاية لمدة 3 سنوات) الاقتراب من نهايتها، وكان واضحا انئذ ان المنافسة هي: بين بشارة الخوري واميل اده (حقائق لبنانية – ج 1 – بشارة الخوري)، وعندما اقتربت ولاية دباس من نهايتها بدأ الصراع لانتخاب لانتخاب خلف له، واحتدمت المعركة بين بشارة الخوري واميل اده، ولكل منهما في المجلس النيابي وفي البلاد وبين رجال الانتداب انصار ومؤيدون، وكل منهما يطمح الى الرئاسة، فان لم يرافقه الحظ فلا بد من الأمل للحؤول دون فوز خصمه (50 سنة مع الناس – يوسف سالم -دار النهار). 
ويؤكد يوسف سالم ان الشيخ بشارة الخوري رشح نفسه بموافقة دوائر الانتداب وفي مقدمها هنري بونسو المفوض السامي نفسه (50 سنة مع الناس - دار النهار)، وصارت المناورات الساسية جزءا من الوصول الى الحكم أو لابعاد المنافسين، وهنا كاد المسلم السني الشيخ محمد الجسر ان يصبح رئيسا للجمهورية خلفا للارثوذكسي شارل دباس، وفي التفاصيل كما يرويها يوسف سالم: «ادرك اميل اده ان لا امل له بالرئاسة، فهمس الى الشيخ الجسر رئيس مجلس النواب ان يرشح نفسه، ووعده بدعم ترشيحه واعطائه صوته وأصوات الذين يماشونه في المجلس، وكانت تلك المرة الأولى التي يترشح فيها مسلم لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ومن المفارقات اللبنانية التي تبدو غريبة لمن يجهل تعاريج السياسة اللبنانية الداخلية، وتصارع الأحزاب أن كثيرين من النواب المسيحيين وفي مقدمهم اميل اده كانوا يؤيدون الشيخ الجسر، وأن كثيرين من النواب المسلمين دعموا ترشيح الشيخ بشارة، وبعد أن أدركت المفوضية الفرنسية العليا ان ترشيح الشيخ محمد الجسر، لم يكن مناورة سياسية منه أو من اميل اده، بل قضية جدية، بدأت تضغط على النواب لتأييد بشارة الخوري» (50 سنة مع الناس).
وكان الشيخ الجسر ونائب كسروان يوسف الخازن طلبا لقاء المفوض السامي الفرنسي الذي حدد الوعد قبل ظهر الرابع من أيار وكان ان اطلا عليه حتى بادرهم بصوت عال جدا: «ماذا تريدون أن أقول للكيه دورسيه (وزارة الخارجية الفرنسية)، ان باريس غير مستعدة لقبول الاحتجاجات والانتقادات والشكايات من انتخاب رئيس جمهورية مسلم في لبنان.. ان لا اقدر.. لا هذا مستحيل».
واكد المفوض السامي انه يقدر للشيخ الجسر مزاياه واخلاصه لوطنه وصداقته لفرنسا، لكنه يجد نفسه مكرها على ان يطلب منه سحب ترشيحه لرئاسة الجمهورية، لأن سياسة فرنسا ووضعها الدولي يحتمان عليها ان لا تسمح بأن يتولى الرئاسة الأولى في لبنان مسلم.
وهنا يرد الشيخ الجسر معتذرا عن عدم تحقيق رغبة المفوض السامي، معلنا إصراره على المضي في ترشيح نفسه، ما دامت الأكثرية تؤيده. 
ومساء الأحد الثامن من أيار 1932 ذهب بونسو بسيارة عادية الى بكركي، منعا للفت الأنظار، وهمس في اذن البطريرك عريضة انه سيحل المجلس النيابي ويقيل الحكومة ويوقف الحياة النيابية (50سنة مع الناس – مصدر سبق ذكره).
في صباح التاسع من أيار، اصدر المفوض السامي قرارا حمل الرقم ل/56، كلف بموجبه شارل دباس بصفته الحالية، بوظائف رئيس الحكومة، وبتكليف المديرين اللبنانيين مهمة انجاز الأمور تحت سلطة رئيس الحكومة مباشرة واعتبار مهمة الوزراء الحاليين منتهية، وبوقف جلسات المجلس النيابي. وبشكل أدق علق بونسو الحياة الدستورية في البلد.التي استمرت حتى 21 كانون الثاني 1934. 
الرئيس اميل اده حاول مرة أخرى، أن يكرر التجربة في العام 1943  مع الرئيس سامي الصلح، لكنها لم تنجح، وكما يروي الرئيس سامي الصلح نفسه، أن إده حضر الى منزله بصحبة كتلته النيابية، «وطلب مني أن أرشح نفسي لرئاسة الجمهورية على أن أتفاهم مع رياض الصلح، للحال انعكست في مخيلتي السابقة التي حصلت مع الشيخ محمد الجسر بسبب الخلاف بين المرشحين المارونيين إده وبشارة الخوري».
يتابع الرئيس سامي الصلح، انه قال لإده: «أن أوضاع البلاد لا تسمح بذلك، وأن محاولة كهذه مصيرها الفشل» مؤكدا هنا انه «أما أنا، فلم أكن مقتنعا بجدوى مثل هذه الخطوة، فشكرته واعتذرت له عن عدم موافقتي على مشروعه» (سامي الصلح: لبنان - العبث السياسي والمصير المجهول، ص 101 - دار النهار). 
في الانقلابات السياسية اللينانية والتحول من مكان الى آخر، يبقى الرئيس كميل شمعون استاذها، يسجل في تاريخ السياسي انه كان في ذلك الانتداب من اركان الكتلة الدستورية، في النصف الثاني من عام 1935، بعد انتخاب إميل إده رئيساً للجمهورية في دورة الإقتراع الثانية بأكثرية 14 نائباً، مقابل 11 لبشارة الخوري، والصوت الإضافي في الدورة الثانية لصالح إده كان لعضو الكتلة الدستورية النائب كميل شمعون الذي انقلب على كتلته النيابية مقابله وعد بتوزيره، لكن الرئيس اده  لم يعينه في حكومته الأولى برئاسة خير الدين الأحدب ً، فكان أن عاد إلى الكتلة الدستورية بزعامة بشارة الخوري، أي أن مجلس النواب أصبح انئذ مؤلفاً من 13 نائباً للكتلة الوطنية مقابل 12 للكتلة الدستورية.