9 حزيران 2023 12:18ص الصراع المسيحي - المسيحي منذ 1932 حتى اليوم أضعف موقع الرئاسة (2)

شمعون استنجد الجيش العراقي لقمع ثورة 1958 فاحتلّ قصر الرحاب قلب الحكم

حجم الخط
221 يوماً مرّوا على الشغور الرئاسي في لبنان، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق، وبعد 11 جلسة انتخابية لم تسفر عن أي نتيجة، وتحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة الـ12 لانتخاب الرئيس الأسبوع المقبل في 14 حزيران الحالي، حيث يتوقع أن تلتحق هذه الجلسة بسابقاتها الـ11، في وقت يواصل الدولار ألاعيبه وتحليقه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، وهو ما دعا «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» لأن يشير في بيان له «الى أن الانهيار الذي تشهده الليرة مقابل الدولار الأميركي في بيروت كبير جداً ويستدعي التوقّف عنده»، مشددا على أن «المسؤولية الكبرى تقع على الحكومة وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق في العديد من دول العالم بتهم الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير واستعمال المزوّر».
بشكل عام يتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي، كان يطلق عليه فيما مضى «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، ولأن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، وليستمر التنافس المسيحي - المسيحي وخصوصا الماروني - الماروني على الكرسي الأولى منذ زمن الانتداب حتى اليوم، واتخذ في أحيان كثير حد الاحتراب. هذا ما سنحاول تفصيله في أكثر من حلقة.

في السيرة الرئاسية اللبنانية كثيرة الانقلابات وتغيير المواقف، ومنذ زمن الانتداب الفرنسي حتى اليوم، وكثيرا ما تميّزت هذه المسيرة بالتنافسات الحادة والصراعات المسيحية – المسيحية على وجه الخصوص مارونية – مارونية، التي أدّت الى إضعاف موقع الرئاسة، وبعد أن سقط العهد الاستقلالي الأول في منتصف ولايته المجددة في أيلول عام 1952، وانتخب الخصم اللدود لبشارة الخوري النائب كميل شمعون رئيساً للجمهورية بدعم مباشر من بريطانيا وأديب الشيشكلي في سوريا، وليس أبداً بفعل ما شهده الوضع اللبناني من انقسام، فشمعون لم يكن يمثل الأغلبية على المستوى النيابي، والمعارضة لم يكن لديها الأكثرية الشعبية الكاسحة التي تأهّلها لانتخاب رئيس منها، ولكن النواب اللبنانيون جاءوا بشمعون بواسطة صندوقة الاقتراع الزجاجية التي دارت عليهم في القاعة العامة في مجلس النواب بفعل الوحي البريطاني والسوري آنئذ.
بعد استقالة الرئيس الاستقلالي الأول، كان اللبنانيون يعتقدون أن النائب حميد فرنجية سيكون الرئيس الثاني في العهد الاستقلالي، لكن كميل كان قد استعدّ لها وشحذ كل أسلحته من الكرسي الأولي، وكما يقول يوسف سالم: «شحذ  كميل شمعون أسلحته كلها للمعركة المحتدمة. وأول ما فعله ان استنجد بأصدقائه الانكليز الذين وثق بهم أثناء توليه سفارة لبنان في لندن، ولم يخيّب الانكليز ظنه فأنجدوه، والصراع الانكليزي - الفرنسي على النفوذ في لبنان وسوريا لا يزال محتدماً وإن صار صراعاً وراء الكواليس».
يتابع يوسف سالم سرد روايته فيقول: «وتذكّر شمعون انه قبل استقالة الشيخ بشارة الخوري بأسبوع، قام برحلة صيد الى سوريا واجتمع برئيس دولتها أديب الشيشكلي، وأدرك انه وجد في الشيشكلي عوناً له على فريق من اللبنانيين يتأثر بسياسة سوريا فاستعان به فأعانه الرئيس السوري، وإذ بكميل شمعون بين ليلة وضحاها، يجتذب إلى صفه نواب بيروت وعدداً لا يستهان به من نواب الشمال، بفضل الضغط السياسي من جانب سوريا، وتدخّل السفير البريطاني في بيروت».
وبدا ذلك واضحا للعيان حتى ان أصدقاء حميد فرنجية وزملاءه في جريدة «لوجور» الصادرة بالفرنسية، من أمثال حبيب أبو شهلا، وشارل حلو، وهنري فرعون، وموسى دي فريج الذين كانوا دعامته الكبرى وقادة معركته، تخلّوا عنه، لا حباً بشمعون بل تحت الضغط السافر الذي مارسه عليهم السفير البريطاني عبر ميشال شيحا».
منذ انتخاب كميل شمعون عام 1952 حتى العام 1954، اعتمد سياسة خارجية معتدلة مستوحاة من الميثاق الوطني، أي سياسة الانفتاح على العالم العربي، غير أن سياسة لبنان الخارجية في ظل السياسة الشمعونية، أخذت منذ العام 1954 تواجه تحديات على الصعيدين الاقليمي والدولي، خصوصاً في ظل سياسة الأحلاف التي أخذت تنهض في تلك الفترة، وأبرزها حلف بغداد في العام 1954، ثم مشروع ايزنهاور في العام 1957، فاختار شمعون الانضمام إلى هذين الحلفين مما شكّل انقلابا على ميثاق 1943، وكان مقدمة لأزمة كبرى، خصوصاً مع إعلان شمعون رغبته في تجديد رئاسته، وخصوصاً مع ما شهدته انتخابات العام 1957 من تزوير واسع.
وللعلم فأن أحداث ثورة 1958 أو «الثورة الشعبية»، أو حتى «الحرب الأهلية» في لبنان أو سمِّها ما شئت، كانت السبب المباشر لثورة 14 تموز في العام 1958 في العراق، ويذهب البعض الى التأكيد ان شمعون سرّع آنئذ بهذا الانقلاب، «كما اعترف الرئيس العراقي الأسبق الراحل عبد السلام عارف، لأن شمعون استنجد بالقوات العراقية في عهد نور السعيد، كي تساعده على قمع الحركة الشعبية المعارضة، أو على وقف ما أطلق عليه ثورة 1958، وبدلا من أن تأتي هذه القوات التي أراد نور السعيد إرسالها الى بيروت بقيادة الضابطين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، توجهت إلى قصر الرحاب في بغداد، وقلبت النظام واستولت على السلطة»، وفي ظل التطورات العراقية، استدعى الرئيس شمعون سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا وطلبت تدخّل الأسطول السادس.
لم تستجب واشنطن في البدء لطلب شمعون بإنزال قوات البحرية الأميركية، ولكن قيام ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق وسقوط النظام الملكي، جعل واشنطن تستجيب لطلب الرئيس شمعون وأنزلت قوات المارينز على شواطئ بيروت تنفيذاً «لمبدأ ايزنهاور» وقد صرّح الرئيس ايزنهاور آنئذٍ، انه «لم يفعل ذلك إلّا تلبية لنداء رئيس الجمهورية اللبنانية».
وصل عهد كميل شمعون نهايته، وانتخب قائد الجيش اللبناني آنئذ، اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية، ومع تشكيله حكومته العهد الأولى برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، كانت محاولات التعبئة الطائفية عبر ثورة مضادة قادتها الكتائب بالاتفاق مع الرئيس شمعون، وهذا ما لنا عون إليه.