بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 حزيران 2023 12:00ص الصراع المسيحي - المسيحي منذ 1932 حتى اليوم أضعف موقع الرئاسة (3)

الأجراس تقرع حزناً بعد انتخاب شهاب وتشكيل أول حكوماته برئاسة رشيد كرامي

فؤاد شهاب فؤاد شهاب
حجم الخط
224 يوماً مرّوا على الشغور الرئاسي في لبنان، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق، وبعد 11 جلسة انتخابية لم تسفر عن أي نتيجة، حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة الـ12 لانتخاب الرئيس في 14 حزيران الحالي، حيث يتوقع أن تلحق هذه الجلسة بسابقاتها الـ11، في وقت يواصل الدولار ألاعيبه وتحليقه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، وهو ما دعا «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» لأن يشير في بيان له «الى أن الانهيار الذي تشهده الليرة مقابل الدولار الأميركي في بيروت كبير جداً ويستدعي التوقّف عنده»، مشددا على أن «المسؤولية الكبرى تقع على الحكومة وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق في العديد من دول العالم بتهم الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير واستعمال المزوّر».
بشكل عام يتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي، كان يطلق عليه فيما مضى «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، ولأن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، وليستمر التنافس المسيحي - المسيحي وخصوصا الماروني - الماروني على الكرسي الأولى منذ زمن الانتداب حتى اليوم، الذي اتخذ في أحيان كثير حد الاحتراب. وهذا ما نحاول تفصيله في أكثر من حلقة.

بعد أيام قليلة من انتخابه، تسلّم الرئيس فؤاد شهاب سلطاته ووجّه أوّل بيان رئاسي إلى اللبنانيين دعاهم فيه إلى الهدوء، مؤكداً قدرة اللبنانيين على التغلب على الأزمة والعودة إلى الوحدة الوطنية. ثم عهد إلى الرئيس الشهيد رشيد كرامي تأليف حكومة عهده الأولى، فجاءت ثمانية، تضم إلى رئيسها رشيد كرامي كلاً من: فيليب تقلا، شارل حلو، فؤاد النجار، محمّد صفي الدين، يوسف السودا، رفيق نجا وفريد طراد. وكان شعار هذه الحكومة «لا غالب ولا مغلوب»، فعارضت الأوساط المسيحية، ولا سيما حزب الكتائب والقوى السياسية التي كانت مؤيدة للرئيس كميل شمعون هذه الحكومة التي لم تعمّر أكثر من ثلاثة أسابيع، لأن تياراً من المواطنين رفض القبول برشيد كرامي رئيساً للوزراء، لأنه كما «استقبل الرئيس فؤاد شهاب بفرحة عارمة في صفوف الجيش وضباطه، وبإطلاق الأعيرة النارية ابتهاجاً في الأحياء والقرى التي كانت في أيدي المعارضين، وبقرع أجراس الحزن في بعض الأحياء والقرى المسيحية، التي اعتبرت انتخابه وخروج شمعون من الرئاسة هزيمة سياسية للمسيحيين».
على ذلك شكّلت حكومة رباعية جديدة عنوانها (لا غالب ولا مغلوب) مؤلفة من أربعة وزراء: رشيد كرامي رئيساً، وحسين العويني، بيار الجميل، وريمون إده أعضاء.
باشر الرئيس شهاب بعملية إصلاحية واسعة، لكنه فوجئ ليلة الاحتفال بعيد رأس السنة الجديدة عام 1962، بمحاولة انقلاب فاشلة، قام بها بعض ضباط الجيش بالتعاون مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، ونجحت في الوصول إلى وزارة الدفاع واعتقال بعض الضباط الكبار، قبل أن ينجح ضباط الجيش والمكتب الثاني في إفشالها.. مما ولّد في نفوس الضباط شعوراً بمسؤولية سياسية جديدة، ألا وهي حماية النظام والجيش والعهد، مما جعل دورهم أكبر تأثيراً في الحياة السياسية بسبب متابعتهم اليومية وسهرهم على المجريات السياسية وتحركات الأحزاب السياسيين أي المراقبة وجمع المعلومات عن الشخصيات والأحزاب والاعتماد على المخبرين والتدخّل في الانتخابات.
في 23 أيلول 1964 تسلّم الرئيس شارل حلو سلطاته الدستورية من الرئيس فؤاد شهاب، فاعتبر العهد الجديد امتداداً للعهد الشهابي، لكن «شهر العسل» أخذ يتغيّر بين الشهابيين وشارل حلو، وأفضل من عبّر عن هذا الواقع هو الشهيد كمال جنبلاط الذي كتب عنه: «حيكت المؤامرة على لبنان، منذ العام 1967. ففي ذلك الوقت كان المصريون والسوريون قد خسروا الحرب. فظنّ من نسميهم هنا بالانعزاليين، بأن لحظة رفع الرأس قد آن أجلها وآن أوان إنشاء لبنان منفصل عن العالم العربي. وهكذا فقد جرى تنظيم اجتماع دعي إليه مثقفون ورهبان وسياسيون وشخصيات، بالإضافة إلى رؤساء الجمهوريات السابقين كشمعون واضرابه، وإلى نواب وصحافيين. وكان هدف هذا الاجتماع هو تحليل حوادث عام 1967 ونتائجها بغرض تحديد خط سلوك جديد يأخذ بعين الاعتبار واقعة بروز إسرائيل بعد هذه الحرب كأقوى دولة في هذا الجزء من الشرق الأوسط. وكانت الهزيمة تقلص من مخاطر حدوث ردة فعل عربية وسورية بوجه خاص، معادية لنمو الانعزالية في لبنان. كان عبد الناصر قد تلقى هزيمة سياسية وعسكرية بحيث أصاب الشحوب صورته كداعية لفكرة الأمة العربية، وكرمز لحلم القومية العربية.
فقد كان عبد الناصر يمثل - ولا يزال - رئيساً وقائداً اسطورياً يُجسّد فكرة الصراع من أجل التحرر الوطني والاجتماعي لدى الجماهير العربية التي طال قهرها واحتباسها تحت الاحتلال العثماني والاستعمار أو الانتداب الفرنسي والانجليزي. وإن كان الانتداب الفرنسي أقل قمعاً وقهراً من نظيره الآخر بالنسبة إلى بعض بلدان المشرق. وكان تقدير الانعزاليين ان الساعة قد أزفّت للتخلص من التيار القومي العربي الذي لم يقبلوا به إلا كحل أخير أو كتسوية في العام 1943، إبان الصراع من أجل استقلال لبنان - ولزيادة تأكيد الطابع الخاص بلبنان، كبلد لا صفة له ولا ولاء يربطه، إلا ذلك الذي يصل بينه وبين أرضه وحدها».
هكذا تعدد الأزمات في البلد، التي أنتجت في النهاية الحرب الأهلية وفصولها المتتالية، ما فيها حروب ازقة وتصفيات. وهذا ما لنا عودة إليه.