بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تموز 2022 08:22ص الغــجـر.. الشعب الغامض

حجم الخط
يقولون أن أصلهم مصري، ويؤكد الباحثون أنهم قادمون من الهند إلى كل أنحاء العالم وتختلف الأسماء التي تطلق عليهم في بلادنا العربية فهم أحياناً «غجر» وأحياناً أخرى «نور» والبعض يسميهم «الزلط» وفي العراق يسمونهم «عرب المستنقعات». أما المرأة الغجرية فهي «غازية» في معظم البلاد العربية حتى وإن كانت عرافة لا تمارس الرقص. ونساؤهم راقصات بارعات ورجالهم لصوص بارعون. الرجل منهم يسرق ويحترف أدنى المهن، والمرأة ترقص وتمارس السحر وتقرأ الطالع. والنساء والرجال لهم لغة خاصة. يحرصون على سريتها ولهم تقاليدهم الخاصة في الزواج والطلاق، كما أن لهم قوانينهم ومحاكمهم الخاصة. بعضهم يعتنق ديانة البلد الذي يعيش فيه، وبعضهم لا يعتنق ديانة على الاطلاق. وكلهم يمارسون السحر ولا يمارسون شعائر الدين. ويقدر عدد الغجر في أوروبا بحوالي ثمانية ملايين، بينما يقدر عدد الغجر الشرقيين بحوالي نصف المليون، وعددهم في الولايات المتحدة حوالي مائة ألف غجري. وفي أوروبا - في العصور الوسطى - رفض الغجر القوى الرئيسية الثلاث الكنيسة، والدولة، ورؤساء النقابات الحرفية. فلم ينجحوا في ممارسة أية مهنة سوى العمل في المعادن والحدادة، وكل هذه الضغوط أدت بالغجر إلى ممارسة بعض الجرائم واللجوء إلى الاحتيال. وعكف نفر منهم على السحر وقراءة الكف ورؤية الطالع والتنجيم.
وفي ظل هذا المناخ بدأت تطفو على السطح تيارات الحقد والكراهية ضد الغجر، فأشيع أنهم انحدروا من أصول غير طبيعية، وأنهم جميعاً ورثوا اللعنة نتيجة بعض الذنوب التي اقترفها أجدادهم، وأشيع أنهم يأكلون لحوم البشر ويخطفون الأطفال، وضاق الناس منهم لأنهم يمارسون السحر. ورأى البعض أنهم فاسدو الأخلاق يحاولون إغراء نساء غيرهم. ورغم كل ذلك فقد وجد الغجر أحياناً بين النبلاء والطبقة الأرستقراطية من استعان بهم لتسليته رقصاً وغناء، وبعض الغجر لا يزال يستخدم العربات القديمة المقطورة المزينة لبيع مصنوعاتهم اليدوية لتأمين قوت إلا أن الكثيرين منهم سجلوا أبناءهم في المدارس. أما البعض الآخر من هؤلاء الأبناء فيعملون حجاباً في المكاتب وفي مهن أخرى. وبعض العائلات من الغجر تقيم في مكان واحد ولا تبرحه حيث يمارس أفرادها التجارة خصوصاً في المدن، والبعض الآخر من هذه العائلات يقيم في ضواحي المدن الكبرى حيث يعمل أفرادها في المصانع. وأبناء الغجر ممن يتلقون علومهم في المدارس يواظبون على ارتداء ثيابهم الزاهية الألوان التي ترضعها المجوهرات المزيفة ومع لا يواجهون مضايقات من زملائهم في المدرسة. وفي الآونة الأخيرة أخذت تزداد ميول الغجر للزواج من غير محيطهم. وقد عامل بعض الدول الغجر معاملة جيدة، إلا أن دولاً أخرى اضطهدتهم.
الغجري المضطهر
الزعيم النازي أدولف هتلر أباد حوالي نصف مليون غجري في حين رفضت دول أوروبا الغربية توظيف الغجري لعدم استقراره في مكان إقامته. ويقول كاتب غجري: (كل واحد يعتبر الغجري لصاً يسرق الدجاج، إن لم أقل يخطف الأطفال. وفي مدن كثيرة حيث توجد في ضواحيها أماكن للتنجيم رفعت لافتات على مداخل المخيمات كتبت عليها عبارات «ممنوع دخول الغجر» وإذا تجاهل الغجري التحذير ودخل أحد المخيمات سيكون عرضة لملاحقة رجال الشرطة). وتقول هنرييت ديفيد التي تشغل منصب سكرتيرة عامة في مدرسة في العاصمة الفرنسية وتدرس ثقافة الغجر: «البعض من الغجر لا أن يقول أنه غجري. وقد لمست ذلك لدى كثيرين منهم صغاراً ومسنين متعلمين وأميين. ذلك أنهم يريدون أن يبعدوا عنهم الانطباع السائد بأن «الغجري لص».
ورغم الامتيازات التي يتمتع بها الغجر في الوقت الحاضر نراهم متمسكون بالتقاليد والعادات التي تشدهم إلى بعضهم البعض فيقيمون جماعات يتراوح عدد كل جماعة منهم بين ١٠٠ ر 150 عائلة متجاهلين كل سلطة إلا سلطة الجماعة. ووسائل الاتصال بين الغجر هي الهاتف أو الساعي أو إشارات توضع على الطرقات. والغجري ينفق المال متى حصل عليه. وعندما يموت يحرق كل ما يمكن. وفي قاموس الغجري لا توجد كلمة الادخار. والغجر يشيعون السرور والبهجة في قلوب الأوروبيين بموسيقاهم الغجرية وبالألعاب البهلوانية التي يتقنونها داخل السيركات أو زوايا الشوارع. وتقول ساندرا جايات. وهي شاعرة ورسامة غجرية تقيم في باريس: «كثيرون يعتقدون بأننا سعداء دائماً، أناس لا مبالين، هؤلاء لو أصغوا باهتمام إلى أنغامنا وألحاننا المنبعثة من القيثارات لتأكدوا أنها تعكس حالات الكآبة والحزن والشعور بأننا وحيدون ومعزولون». وقد اعتنق الغجر ديانات خلال القرون الماضية، إلا أن كثيرين منهم ما زالوا يستخدمون التعاويذ أو يتخذون حيواناً أو كائناً آخر شعاراً لهم للتخلص من «العين الشريرة».
والغجر الذين اعتنقوا الكاثوليكية يوقرون القديسة السوداء سارة، التي تقول إحدى الأساطير أنها أنقذت حياة ثلاثة قديسات يحملن اسم مارس عندما غرق زورقهن بالقرب من بلدة سانت ماري دي لامير. والحج إلى هذه البلدة يقدم الساحة الرئيسية تزعج نساء الغجر في هذه الأيام. ففي صورة حسية وشاملة عن متقدمات بالسن السياح بمداليات رخيصة الصنع. وفي المخيمات التي تعج بالعربات المقطورة، تقوم عائلات يرتدي أفرادها الثياب الباهظة الثمن بشواء الدجاج وشرب النبيذ. وعازف القيثارة ماتيتاس دي بلاتا يزور البلدة بسيارة مرسيدس جديدة ببزة من الحرير، وتعج أماكن النزهة والمراكز المخصصة لنصب الخيام بأفخم السيارات الفرنسية والألمانية الصنع وأغلاها وبأحدث العربات المقطورة. وسكان البلدة يتذمرون وهم يرفعون القمامة والخراب الذي يخلفه عشرة آلاف سائح إلى الغجر.
ومعظم أحاديث الغجر تدور حول رحيلهم من مكان إلى آخر ويقول غجري في الخامسة والستين من عمره وقد تحول إلى عامل ميكانيك بعد أن تخلى عن تربية الخيول وترويضها: «حب الانتقال من مكان إلى آخر أصبح يسري في دمائنا. والرحيل المستمر هو الذي يجمعنا إلى بعضنا البعض. المدنية الحديثة أثرت على بعض تصرفاتنا وأحدثت تغييرات بالنسبة لنا. ولكننا رغم ذلك لا نزال غجراً. ومن يدري فبعد مائة عام قد نستخدم الطائرات العمودية «الهيليوكوبتر» للرحيل من مكان إلى آخر.
يتوزع الغجر في قبائل وبطون، ويقيمون غالباً في بيوت مصنوعة من صفائح التنك والكرتون والخيش، والموسرون منهم «يبنون» بيوتاً من القماش المتين أو يستأجرون منازل مشيدة.
ولكل قبيلة شيخ يعرف بـ «الريس». لا يميزه عن سائر الرجال امتياز اقتصادي، فهو يزاول ما يزاولونه من أسباب المعاش، إلا أنه يمثل القبيلة في المناسبات وبعض المنازعات، وله هيبة القائد واحترامه.
ويدين أكثر الغجر المقيمين في لبنان مثلاً بالإسلام ويؤدون الفرائض، إلا أنك تجد فيهم بقايا وثنية تتجلى في طقوس الزواج. فالمرأة تباع وتشرى يتم تزويجها بغير عقد قران، إلا من امتلكت منهن هوية لبنانية، فأكثرهم حائز على «جنسية قيد الدرس» من الأمن العام اللبناني.
قد يستخدم الغجري مصطلح «البيع» بدلاً من مصطلح «الزواج» وترفع قيمة المرأة تبعاً لصباها وجمالها، فهي أولاً وآخراً مصدر الرزق الأساسي للأسرة، والأب الذي يزوج ابنته إنما يتخلى عن مصدر للدخل، وقصارى ما يعتمدونه أثناء الزواج اجتماع «البائع» و «الشاري» والشهود، والاتفاق على انتقال العروس إلى منزل بعد احتفال إن كانت صبية، ومن دونه إن كانت كبيرة السن أو أرملة أو الزواج أو مطلقة.
وقد تسمع بقصص غرام عنيفة بين الغجر، إلا أن ذلك لا وزن له في مجال الزواج القائم على بيع وشراء، تزوج المحبان أم لم يتزوجا.. وأحياناً ما تحدر حالات فرار من منزل الزوجية إلى منزل العشيق، وفي هذه الحالة تعتبر المرأة مطلقة ويطالب الزوج السابق بما دفع من مال، ونادراً ما يثير الأمر ردات فعل عنيفة. غير أن الغجري يعنف في حالات ارتكاب جريمة. فمن قتل أصل من أصوله حصل على الفدية وثأر بعدها بقتل القاتل أو أحد أصوله، إلا في بعض القبائل التي تكتفي بالفدية وبخروف يذبح في محضر من «ريس» القبيلة أو «الريسين» إن كانت القضية بين قبيلتين.
وتحتل المرأة مكانة رفيعة في مجتمع الغجر، ناتجة عن اضطلاعها بالدور الاقتصادي الأساسي، إلا أن هذه المكانة ليست مطلقة إذا شاء الزوج ممارسة التسلط.
وعلى الرغم من الغجر منغلق على ذاته، فهو يتأثر بالمجتمعات المتحضرة المحيطة به، يكتسب من أزيائها ولغتها وطرائق عيشها، غير أنه يبقى منغلقاً مثل لغز، ويصعب الدخول إلى خباياه، إلا بمقدار ما يوفر الأمر مصلحة وربحاً للغجري.
وقد شهدت العقود الأخيرة تحولات في مجتمع الغجر، حيث استغنى بعضهم عن نظام الترحال، فاستقر في حقول قرى بعينها، أو اتخذ لنفسه مساكن مشيدة مستأجرة، واقتنى سيارات وأجهزة تبريد وتلفزيون وغير ذلك من وسائل التحضر.