274 يوما مرّوا على الشغور الرئاسي في لبنان و449 يوما على حكومة تصريف الأعمال، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق ، وبعد 12 جلسة انتخابية لم تسفر عن أي نتيجة، وفي وقت يواصل الدولار ألاعيبه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، وهو ما دعا «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» لأن يشير في بيان له «الى أن الانهيار الذي تشهده الليرة مقابل الدولار الأميركي في بيروت كبير جداً ويستدعي التوقّف عنده»، مشدّدا على أن «المسؤولية الكبرى تقع على الحكومة وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق في العديد من دول العالم بتهم الاختلاس وتبييض الإموال والإثراء غير المشروع والتزوير واستعمال المزوّر».
بشكل عام يتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي، كان يطلق عليه فيما مضى «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، ولأن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد ولم يحن أوانها، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا».
منذ صار للبنان رئيس للجمهورية في العام 1926، في زمن الانتداب الفرنسي حتى اليوم، لم يتم انتخاب رئيس تبعا للتوازنات الداخلية، بل عبر وحي يوحى، ففي وقت الانتداب، تم انتخاب الأرثوذكسي شارل دباس في 26 أيار 1926 لمدّة ثلاث سنوات على ما كان ينص الدستور حينها. وتمّ انتخابه لولاية أخرى في تموز 1929. وشكّل حكومته الأولى في 31 أيّار 1926 برئاسة أوغست أديب.
وشارل دباس الذي كان يشغل قبل الرئاسة منصب ناظر العدلية، يستحق قصة صعوده أن تُروى، إذ انه بعد الاتفاق على صيغة ونص الدستور، حضر المفوض السامي الفرنسي هنري دوجوفنيل الى مجلس النواب في 23 أيار 1926 وأعلن أمام النواب وأمام الحاكم كيلا ومجلس المديرين وكبار الموظفين والقضاة، الدستور اللبناني ووضعه موضع التنفيذ، ثم عيّن بقرار منه مجلس شيوخ من 16 شيخا، وتحوّل المجلس التأسيسي الى مجلس نيابي، ودُعي المجلسان الى مجمع نيابي في 26 أيار لانتخاب أول رئيس جمهورية.
احتفالا بوضع الدستور اللبناني أقام الوجيه البيروتي نقولا بسترس في قصره حفلة عشاء كبرى على شرف المفوض دوجوفنيل، جاء لها بفرقة موسيقية وراقصات شرقيات.
الفرقة جلست في شرفة الطابق الثاني، الراقصات أدّين رقصاتهم في صالون الطابق الأول. وكانت مائدة العشاء تضم كل من شارل دباس، إميل إده، بترو طراد، أيوب تابت، حبيب باشا السعد (كلهم صاروا رؤساء زمن الانتداب) وغيرهم من السياسيين، إضافة الى وجهاء من آل سرسق، وتويني وشهاب وبسترس وملحمة وغيرهم.
وقف دوجوفنيل أمام المائدة وتفحّص جميع الوجوه وخاطبهم:
أيها السادة، رئيس لبنان المقبل موجود بينكم.
أشرأبت العيون نحو المندوب السامي الذي رفع يده مشيرا بإبهامه باتجاه الجانب الأيمن من المائدة وقال: هذا هو رئيسكم، وكان شارل دباس. أول رئيس للجمهورية وهو كان متزوجا من ممرضته الفرنسية مرسيل برونغار حين كان لا يزال طالبا في باريس وسبق له أن تعرّف عليها حين كان يُعالج في إحدى المستشفيات من التهاب اللوزتين.
انتخب دباس رئيسا لمدة ثلاث سنوات كما كان ينص الدستور وتسلّم منصبه، في الأول من أيلول، وجُدّد له عام 1929، ليتعاقب بعده خمسة رؤساء في زمن الانتداب، أربعة منهم عيّنوا مباشرة من قبل المفوض السامي الفرنسي وواحد بالانتخاب، على النحو الآتي:
- حبيب باشا السعد: عيّن رئيسا في 30 كانون الثاني 1934 حتى 20 كانون الثاني 1936، حيث دُعي في ذلك اليوم، المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد بعد أن كان قد صدر عن المفوض السامي دو مارتيل قرار في كانون الأول 1935 بانتخاب رئيس جديد لمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد فتم انتخاب إميل إده الذي استمر بالحكم من 20 كانون الثاني 1936 واستمر في منصبه الى 4 نيسان 1943.
- ألفرد نقاش: عيّن رئيسا للدولة في التاسع من نيسان 1941 حتى 18 آذار 1943، وقد جاء تعيين نقاش من قبل المفوض السامي الفرنسي بتوجيه من الآباء اليسوعيين والوجيه البيروتي حبيب طراد.
- كما تم تعيين أيوب تابت في 9 آذار 1943 ليُقال من منصبه في 21 تموز 1943، وعيّن بدلا منه بترو طراد في 22 تموز 1943 حتى 30 أيلول 1943، ليكون بعدها التطورات الكبرى التي شهدها لبنان وأدّت الى الاستقلال.
الجدير بالذكر، ان الانتداب الفرنسي كان قد عيّن الضابط الفرنسي أنطوان بريفا اوبوار رئيسا بالنيابة في الثاني من كانون الثاني 1934 حتى 30 كانون الثاني 1934.
إذا كان حال رؤساء لبنان وكيف وصلوا في زمن الانتداب الفرنسي، فكيف حال حالهم في زمن الاستقلال وصلوا؟
(يتبع)