بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 آب 2023 12:00ص رؤساء زمن الاستقلال كيف وصلوا؟.. سركيس مرشّح التوافق العربي - الدولي (4)

بعد 282 يوماً على الشغور الرئاسي و457 يوماً على حكومة تصريف الأعمال

إلياس سركيس إلياس سركيس
حجم الخط
282 يوما مرّوا على الشغور الرئاسي في لبنان و457 يوما على حكومة تصريف الأعمال، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق، وبعد 12 جلسة انتخابية لم تسفر عن أي نتيجة، وفي وقت يواصل الدولار ألاعيبه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، وهو ما دعا «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» لأن يشير في بيان له «الى أن الانهيار الذي تشهده الليرة مقابل الدولار الأميركي في بيروت كبير جداً ويستدعي التوقّف عنده»، مشدّدا على أن «المسؤولية الكبرى تقع على الحكومة وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق في العديد من دول العالم بتهم الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير واستعمال المزوّر».
بشكل عام يتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي، كان يطلق عليه فيما مضى «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، ولأن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد ولم يحن أوانها، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا».

في العام 1976، كان لبنان الذي يعيش فصولا من الحرب الأهلية، أمام استحقاقين هما: انتخاب مجلس نيابي في الصيف، وانتخاب رئيس للجمهورية، على الصعيد الأول كان واضحا ان تطوّر الأمور قد لا يسمح بإجراء مثل هذه الانتخابات ولهذا طرحت في الأوساط السياسية والنيابية قضية التمديد للمجلس النيابي، فكان ان أحال مجلس الوزراء في جلسته في 14 كانون الثاني 1976 مشروع قرار بتمديد ولأية مجلس النواب سنة كاملة. انتهاء من مُـدّة ولايته.
وفي العاشرة من قبل ظهر السبت 10 نيسان اكتمل وصول النواب إلى 90 من أصل 98 (كان النائب صبري حمادة قد توفي في 21 كانون الثاني) وتغيّب خمسة نواب بعذر، وتغيّب ثلاثة بلا عذر، وهم طوني فرنجية وكمال جنبلاط  وريمون إده.
استمرت الجلسة 11 دقيقة، ففي 5 دقائق فقط تمّت عملية التصويت على تعديل المادة 73 من الدستور، التي صار نصها: «عدّل نص المادة 73 من الدستور على الوجه الآتي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر، يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، وينتهي العمل بهذا التعديل في 23/9/1976».
وأعلن رئيس مجلس النواب كامل الأسعد تحديد جلسة انتخاب الرئيس في الأول من أيّار 1976، فانصرف اللبنانيون والعرب وخصوصاً سوريا، والقوى الدولية الكبرى وخصوصاً واشنطن إلى معركة رئاسة الجمهورية، كان واضحا البوصلة العربية والدولية تؤشر على حاكم البنك المركزي إلياس سركيس، وكان أوّل المعلنين عن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية العميد ريمون إده، كما أعلن رئيس الحكومة رشيد كرامي عن ترشيح حاكم مصرف لبنان إلياس سركيس الذي أعلن في 28 نيسان ترشيح نفسه رسمياً لرئاسة الجمهورية. ولم يخفِ الرئيس شمعون رغبته في دخول السباق، وأعلن الشاعر سعيد عقل في مؤتمر صحافي عقده في المقر العسكري لحراس الأرز عن ترشيح نفسه أيضا للرئاسة. على ان المرشحين الأبرز بقيا إلياس سركيس وريمون إده، خصوصا بعد ان أعلن كمال جنبلاط والأحزاب اليسارية دعمهما لترشيح هذا الأخير.
وبعد يوم متأزّم سياسياً وعسكرياً، وحافل بالنشاطات للمرشحين إلياس سركيس وريمون إده رسا الوضع السياسي مساء الخميس 29 نيسان على النحو الآتي:
- الرئيس كامل الأسعد لا يمانع في التأجيل إذا طلب النواب منه ذلك.
- الرئيس كميل شمعون الذي كان قد طلب التأجيل، أصرّ على موقفه.
- كمال جنبلاط ومعه الأحزاب اليسارية طالبت بالتأجيل وبرفض انتخاب الرئيس تحت وطأة الضغوط والتأثيرات.
- 28 نائباً أطلقوا على أنفسهم اسم «تجمع النواب المستقلين» عقدوا اجتماعاً في فندق البريستول وطالبوا بمرشح ثالث غير إده وسركيس وطالبوا بالتأجيل.
- بيار الجميل اعتبر أن التأجيل قد يفسح في المجال أمام مزيد من الضغوط.
- الرئيس فرنجية وقّع مرسوماً قضى بإعادة ضباط المكتب الثاني إلى الخدمة. والضباط الذين شملهم المرسوم هم: المقدم الركن كمال عبد الملك، المقدم الركن سامي الشيخ، والمقدم الركن سامي الخطيب، النقيب نعيم فرح، النقيب جان ناصيف، النقيب جورج حروق. وقد أوحت خطوة فرنجية هذه، بأنَّ إلياس سركيس هو الذي سينتخب رئيساً للجمهورية أيّاً كان المرشح أمامه.
وعلى أي حال، فقد وجّهت رئاسة مجلس النواب يوم 7 أيّار دعوة إلى النواب لحضور جلسة انتخاب الرئيس الجديد في 8 أيّار عملاً بأحكام المواد 94 و73 و75 معدّلة من الدستور. وقررت جبهة النضال الوطني النيابية التي يرأسها كمال جنبلاط مقاطعة هذه الجلسة ولم يمثل لقرارها النائب بهيج تقي الدين. كما قرّر مقاطعة هذه الجلسة نواب: الكتلة الوطنية، وكتلة الرئيس صائب سلام التي لم يمتثل لقرارها أيضا النائب نزيه البرزي فقررت فصله، وعدد آخر من النواب والكتل.
واجتمع المجلس النيابي في قصر منصور وسط أجواء حرب حقيقية يوم السبت في 8 آذار 1976 وانتخب المرشح الوحيد إلياس سركيس رئيساً للجمهورية اللبنانية، والذي نال في دورة الانتخابات الأولى 63 صوتاً ووجدت 5 أوراق بيضاء، ونال في الدورة الثانية أكثرية 66 صوتاً من أصل 69 حضروا الجلسة.
انتخب الرئيس إلياس سركيس في الثامن من أيّار 1976، لكنه لم يتسلم مهماته الدستورية إلّا بعد أربعة أشهر و15 يوماً أي في الثالث والعشرين من أيلول، لأن الرئيس سليمان فرنجية رفض أن يسلّم خلفه إلّا في اليوم الأخير من ولايته، بالرغم من العريضة النيابية التي كان قد وقّعها 66 نائباً يطالبون فيها الرئيس بالتنحي، وبالرغم من التعديل الدستوري الذي يسمح لمرة واحدة بانتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولايته بستة أشهر، وخلال الفترة الفاصلة بين الانتخاب والتسلّم والتسليم حدثت تطورات متلاحقة، وإذ أعلنت أحزاب الحركة الوطنية رفضها لنتيجة انتخاب رئيس الجمهورية، اعتبر حزب الكتائب ان الانتخاب جاء دليلاً قاطعاً على الإرادة الشعبية باعتماد الحل السياسي للأزمة اللبنانية، داعياً إلى أوسع التفاف حول الرئيس سركيس.
(يتبع حلقة أخيرة)