بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 تموز 2023 12:00ص موسّعة أم محدودة ولأي هدف وما القدرة على تنفيذها؟ اللامركزية بين الأحقّية والضرورة و«الباطنية السياسية»

حجم الخط
عاد طرح تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة على ألسنة بعض القوى السياسية، والمسيحية منها بشكل خاص، بعد الانقسام السياسي الحاصل حول أمور كثيرة إجرائية عادية أو وطنية كبيرة داخلية وإقليمية، بحيث ان الطرح بات يستبطن توجّهاً سياسياً مخالفاً لفكرة تحقيق اللامركزية الإنمائية المنصوص عنها في وثيقة الوفاق الوطني لإتفاق الطائف ودستوره، وتجاوزها ليصل الى حدود طرح الكونفدرالية لا بل التقسيم كما ورد على لسان البعض كالقوات اللبنانية «لكم جمهوريتكم ولنا جمهوريتنا». أو ليصل الى حدود إدخال اللامركزية في تفاصيل اللعبة السياسية والمقايضات الداخلية كما على لسان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بمقايضة الموقف من رئاسة الجمهورية بمطلب «اعطونا اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والصندوق السيادي للإنماء وخذوا الرئاسة ست سنوات، بما يقضي بحفظ أصول الدولة وملكيتها فيما تتم إدارتها من القطاع الخاص ما يسمح بتحسين إيرادات الدولة وردم جزء من الفجوة المالية واعادة الأموال للمودعين»، مع تمنين بأنه سيتنازل عن الرئاسة مقابل هذين المطللبين مع انه يعلم مسبقاً ان الرئاسة غير متاحة له لأسباب كثيرة!
بهذا الطرح، فَقَدَ مطلب اللامركزية أحقيته الدستورية والإنمائية وتحوّل بفعل إداء القوى السياسية الى ورقة ابتزاز أو فرض شروط سياسية ومالية تتعلق بأمور لا علاقة لها لا بالدستور، الذي لم ينص على لامركزية موسّعة ومالية، ولا بحق البلديات والقائمقاميات بأن يكون لها نوع من الاستقلالية الإدارية الإنمائية بما يخفف ان لم يلغِ التبعية للمرجعيات السياسية في كل عمل إنمائي أو بيئي أو خدماتي. والملاحظ ان كل القوى السياسية نامت على موضوع اللامركزية سنوات طويلة واستفاقت عليها الآن لطرحها في سوق المزايدات السياسية المتعلقة تارة بالاستحقاق الرئاسي، وطورا بالتعيينات الإدارية والعسكرية والمالية، ومرة بتصفية الحسابات وتسجيل النقاط الشعبوية في الخلافات السياسية القائمة.
اللامركزية الإدارية الموسّعة وردت في وثيقة الوفاق الوطني الذي أقرّ في اتفاق الطائف تحت عنوان «الإصلاحات الأخرى» في البند الثالث من الباب الثاني (الإصلاحات السياسية)، كحلّ وسط بين المطالبين بالفيديرالية وبين رافضي التقسيم. وعندما اجتمع النواب في مدينة الطائف في الـمملكة العربية السعودية، للاتفاق على وثيقة الوفاق الوطنـي، ضمّنوا هذه الوثيقة التي وضعت بتاريخ 22/10/1989 بنداً ينص على ما يلي: الإنـماء الـمتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام. وقد ورد هذا البند تـحت عنوان «الـمبادئ العامة والإصلاحات». وعندما عُدّل الدستور بـموجب وثيقة الوفاق الوطني، بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 أُدخل هذا النص حرفيا في مقدمة الدستور وشكّل البند (ز) من هذه الـمقدمة. وقد اعتبـرت مقدمة الدستور، في قرارات الـمجلس الدستوري، جزءا لا يتجزأ من الدستور. لكن الدستور لم ينص في أي مادة على اعتماد اللامركزية، بل ترك الأمر لتطبيق وثيقة الوفاق التي لم تطبق كلها.
وقد جاء في وثيقة الوفاق الوطني حرفياً في بند الإصلاحات الأخرى:
أـ اللامركزیة الإداریة:
1. الدولة اللبنانیة دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزیة قویة.
2. توسیع صلاحیات المحافظین والقائمقامین وتمثیـل جمیـع إدارات الدولـة فـي المنـاطق الإداریـة علـى أعلـى مسـتوى ممكن تسهیلاً لخدمة المواطنین وتلبیة لحاجاتهم محلیاً.
3. إعادة النظر في التقسیم الإداري بما یؤمّن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العیش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
4. اعتمـاد اللامركزیـة الإداریـة الموسّـعة علـى مسـتوى الوحـدات الإداریـة الصـغرى (القضـاء ومـا دون) عـن طریـق انتخاب مجلس لكل قضاء یرئسه القائمقام، تأمیناً للمشاركة المحلیة.
5. اعتماد خطة إنمائیة موحّدة شاملة للبلاد قادرة على تطویر المناطق اللبنانیة وتنمیتها اقتصادیاً واجتماعیاً وتعزیز موارد البلدیات والبلدیات الموحّدة والاتحادات البلدیة بالإمكانات المالیة اللازمة.
يتبيّن من هذه النصوص ان المطلوب من اللامركزية الإدارية الموسّعة تنمية المناطق لا اقتطاع بعضها من جغرافيا الدولة وخريطتها، ولم تتضمن لا الوثيقة ولا الدستور أي نص أو عبارة عن لا مركزية مالية، لأنها تأخذ أبعاداً أخرى لأهداف سياسية، لا تنموية كما قصد المشرّعون حيث تحدث الدستور عن الإنماء المتوازن فقط.