بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 أيلول 2023 12:00ص هل يستطيع هوكشتاين «إنتزاع» مزارع شبعا وكفرشوبا من الاحتلال؟

الصراع مفتوح بين إيران وأميركا في ساحات المنطقة ومنها لبنان

حجم الخط
ظهرت في زيارتين متزامنتين بالتوقيت الهوّة السحيقة بين «صديقي لبنان»، الأميركي والإيراني، واختلاف وتباعد التوجهات والأهداف المحلية والإقليمية، وإن كانت تصريحات الزائرين الأميركي أموس هوكشتاين والإيراني الوزير حسين أمير عبد اللهيان متقاربة علناً في تأكيد وقوف البلدين الى جانب لبنان لحل بعض مشكلاته، لكن في الجوهر والمضمون ثمة حسابات مختلفة بل متناقضة لجهة وظيفة لبنان المطلوبة من الدولتين، من دون احتساب قدرته على تلبية متطلبات هذه الوظيفة بالكامل!
في محادثات هوكشتاين بدا واضحاً ان الهمّ الأميركي ينحصر بضمان معظم طلبات الكيان الإسرائيلي وحفظ أمنه ومكاسبه ولو على حساب لبنان، وضمان القليل من طلبات لبنان. فطرح «ترسيم الحدود البرية» ولو من باب الاقتراح بتقديم المسعى الأميركي للتفاوض، يتناقض مع موقف لبنان الرسمي والشعبي والسياسي بتحديد وتثبيت الحدود القائمة بين لبنان وفلسطين المحتلة منذ اتفاقيات «نيوكومب»، وهو أمر يعرفه الموفد الأميركي وإدارته تمام المعرفة، ومن هنا كان موقف الرئيس نبيه برّي بأن التفاوض على تثبيت حدود لبنان يجب أن يبدأ من النقطة «ب-1» في الناقورة على طول الخط حتى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وضمنه خراج بلدة الماري أو ما يُعرف بالجزء اللبناني من بلدة الغجر الذي ضمّه الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً بالسياج والجدار الاسمنتي.
وبدا واضحا من خلال مفاوضات تحديد الحدود البحرية قبل عام، ان هوكشتاين كان يقدم للبنان الكثير تحت ضغط الخوف من انفجار الوضع العسكري على الحدود بعد إطلاق المقاومة مُسيّراتها فوق «منصة كاريش الإسرائيلية»، ويُعطي الكيان الإسرائيلي الكثير أيضا تحت عنوان تأكيد تقديم مصلحة إسرائيل بأمنها واستقرارها واقتصادها على مصالح كل دول المنطقة. لكن كيف سيتعامل هذه المرة مع موضوع الحدود البرية الأكثر دقة وحساسية، لأن أي مواجهة واسعة في البرّ بين لبنان والكيان الإسرائيلي ستكون عواقبها أكبر وأكثر كلفة على كل الأطراف.
ومع تبيان أهداف الترسيم البحري، وتسهيل الإدارة الأميركية لشركة «توتال» الفرنسية وشركائها بدء الاستكشاف والحفر والتنقيب في الرقعة البحرية رقم 9 وبدء عملية تلزيم الاستكشاف في الرقعة رقم 8 المجاورتين للحدود البحرية لفلسطين المحتلة، ظهر ان الهمّ الأميركي أيضا على المدى المتوسط هو النفط والغاز اللبناني لتسويقه في أوروبا بدل الغاز الروسي من ضمن الحرب المستعرّة بين أميركا وروسيا من خلال أوكرانيا.
أما هدف تحديد وتثبيت الحدود البرية لو تم كما يشتهي لبنان ولو بنسبة معقولة، فهو نزع حجة المقاومة بالاحتفاظ بسلاحها لتحرير الأرض المحتلة، عبر إعادة الكثير من الأراضي الى الشرعية اللبنانية، لا سيما النقاط الـ 13 المتحفظ عليها والتي لا تشكّل خطراً استراتيجياً كبيراً على كيان الاحتلال بقدر ما تشكّل استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، التي من الصعب أن يتخلّى عنها هذا الكيان، لذلك ستكون مهمة هوكشتاين البرية محكومة بالفشل مسبقاً وسيبقى سلاح المقاومة قائماً حتى التحرير الكامل.
بالمقابل، كانت زيارة الوزير عبد اللهيان الى بيروت لتكرار مواقف إيران من كل الأوضاع المطروحة محلياً، لكن توقيت الزيارة الذي تزامن مع زيارة الموفد الأميركي، واللقاءات التي عقدها لا سيما مع السيد حسن نصر الله، والمواقف التي أطلقها حول دعم المقاومة، تشير الى ان ساحات الصراع في المنطقة ما زالت مفتوحة بين الأميركي والإيراني ومنها ساحة لبنان، ما لم يحصل تطوّر كبير استراتيجي في الحوار والتفاوض البارد والبطيء الجاري بين الدولتين.
وجاءت مواقف ولقاءات السيد نصر الله وكبار أركان حزب الله بعد الزيارتين، لتؤكد ان الصراع مع الأميركي مفتوح تحت عنوان «وحدة ساحات المقاومة»، طالما هو داعم لكيان الاحتلال ويقدّم مصالحه الكبرى على مصالح دول المنطقة. بخاصة ان الإدارة الأميركية أعطت خصومها في لبنان مادة دسمة عبر مواصلة الضغط والابتزاز في موضوع استجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر بحجة عقوبات «قانون قيصر»، وهي القادرة على تجاوزها لكنها لا تريد. كما انها بحصارها الاقتصادي والكهربائي على لبنان تزيد من قدرة الآخرين وبخاصة إيران على مزيد من الحضور في لبنان، وتقديم الدعم الذي يخيف «إسرائيل» ويُزعج أميركا، ولو ان الدعم الآخر المتمثل بعرض بناء معامل كهرباء وتوسيع التبادل الاقتصادي والتجاري والصحي والتنموي محكوم بالعقوبات الأميركية.