صحافة أجنبية

30 كانون الثاني 2024 12:05ص من إعلام العدو: إسرائيل تشكو من «محور شر» جديد وتعرّض اتفاقات السلام للخطر

حجم الخط
تسفي برئيل

«تجري العلاقات مع مصر بصورة عادية وصحيحة بين الدولتين. لكل منا مصالحه. ومن الضروري أن تقول مصر أموراً محددة. المصريون حريصون على مصالحهم، ونحن حريصون على مصالحنا». هذا ما قاله بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحافي يوم السبت. بالنسبة إلى نتنياهو، يبدو أن «العلاقات العادية» تشمل وضعاً غير مسبوق، هو رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استقبال مكالمة هاتفية منه؛ وبحسب الوول ستريت جورنال، تدرس مصر استدعاء سفيرها في إسرائيل؛ وفي الخط الساخن بين السيسي وبين الرئيس بايدن، يحذّر الرئيس المصري بصوت غاضب من خطط إسرائيل لطرد سكان غزة إلى سيناء.
بدأ التوتر بين البلدين قبل فترة الحرب. ففي شباط/فبراير الماضي، كتبت صحيفة «القدس العربي» عن القطيعة بين مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية وبين ديوان الرئاسة المصري، وعن عدم ثقة الحكم في مصر برئيس الحكومة. في 9 شباط/فبراير، التقى رئيس الأركان هرتسي هليفي نظيره المصري، وحذّره من «نشوب حرب على عدة جبهات، وأنه (هليفي) لن يسيطر على الوضع، ولن يضغط على الحكومة للحؤول دون قيامها بخطوات تصعيدية».
ووفقاً لمصادر إسرائيلية، جرت أحاديث مشابهة بين كبار مسؤولي الاستخبارات والجيش المصري مع نظرائهم الإسرائيليين. صحيح أن العلاقات بين الطرفين جيدة وعادية، لكنها غير قادرة على تبديد المخاوف المصرية. اختيار نتنياهو وضع مصالح الدولتين كمصالح مختلفة، وحتى متعارضة، لم يساهم في تحسين العلاقات، وخصوصاً عندما يكون المطروح سيطرة إسرائيل على محور فيلاديلفي، خطوة قد تتضمن أيضاً السيطرة على معبر رفح من الجانب الغزّي. إن أي خطوات عسكرية إسرائيلية على محور فيلاديلفي يمكن أن تشكل خرقاً للاتفاق الذي وقّعته إسرائيل مع مصر، كجزء من عملية الانفصال عن غزة، وستضطر إسرائيل إلى صوغ اتفاقات جديدة مع القاهرة، التي سبق أن أعلنت أن عملية إسرائيلية أحادية الجانب، يمكن أن تمس بالعلاقات بين الدولتين. ومن المثير للاهتمام رؤية كيف يمكن أن تكون السيطرة المصرية مفيدة للنظام الجديد الذي تخطط له إسرائيل في غزة.
ليست مصر فقط، وهي التي تعمل بصورة مكثفة من أجل إطلاق المخطوفين، وُضعت على جدول الاستهداف الإسرائيلي. فخلال أشهر الحرب، بنَت إسرائيل «محور شر» خاص بها، يشمل مصر والأردن وقطر، الدول الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
لقد كانت الاتهامات التي وجّهها نتنياهو إلى قطر واضحة، عندما قال خلال اجتماعه مع عائلات المخطوفين («قطر ليست مختلفة عن الأمم المتحدة، وعن الصليب الأحمر، وربما أكثر إشكالية منهما، وليس لدي أوهام حيالها»)...
قطر دولة أساسية تتجاوز أهميتها بكثير مساهماتها في  بلورة صفقات سابقة، وتلك التي جرى بحثها في باريس أمس. فهذه السنة فقط، حظيت بثناء الرئيس بايدن مرتين: المرة الأولى، في بداية تشرين الأول/أكتوبر، بعد المحادثات الناجحة التي أدت إلى إطلاق سراح 5 أسرى أميركيين من السجون الإيرانية، في مقابل 5 مواطنين إيرانيين كانوا معتقلين في الولايات المتحدة، والإفراج عن 6 مليارات دولار تابعة لإيران، لاستخدامها من أجل أهداف إنسانية. المرة الثانية كانت مساهمة قطر في إطلاق مخطوفين إسرائيليين.
في سنة 2021، مرة أُخرى، كانت قطر هي التي توسطت بين واشنطن وبين طالبان، وتوصلت إلى اتفاق سمح بخروج القوات الأميركية من أفغانستان.  وهي التي استقبلت مئات الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأميركية، وحصلت على مكانة استراتيجية كدولة حليفة رفيعة المستوى من دون أن تكون عضواً في الناتو. وهي التي تستضيف على أراضيها أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، قاعدة «العديد»، وذلك بعد أن طالب السعوديون في سنة 2003 الولايات المتحدة بإخراج قاعدتهم العسكرية من الأراضي السعودية، خوفاً من معارضة شعبية للوجود الأميركي في المملكة، ومنعت الأميركيين من استخدام هذه القاعدة للانطلاق بعمليات عسكرية لمهاجمة أفغانستان.
وبين قطر والولايات المتحدة مجموعة اتفاقات من التعاون العسكري والاستخباراتي، وصفقات المشتريات العسكرية لقطر من الولايات المتحدة هي من الأكبر في العالم (تُعتبر قطر الدولة الثانية في العالم، من حيث شراء السلاح من الولايات المتحدة)، وفي مطلع كانون الثاني/يناير هذا العام، وقّعت واشنطن مع الدوحة اتفاقاً للاستمرار في استخدام قاعدتها العسكرية عشرة أعوام أُخرى.
العلاقات الاقتصادية بين قطر وبين إيران ليست سراً. وتتعاون الدولتان في أكبر حقل للغاز في الخليج، لكن هذه العلاقة تُستخدم كأداة للتوسط في أجزاء أُخرى من الشرق الأوسط، وتساعد الولايات المتحدة أكثر من مرة. على سبيل المثال، قطر هي عضو في اللجنة الخماسية التي تعمل في هذه الأيام على حل الأزمة السياسية في لبنان، المرتبطة بالتسوية التي من شانها تهدئة الحدود بين إسرائيل ولبنان. وقطر هي التي تستضيف زعامة «حماس»، وقدمت للحركة مليارات الدولارات، جزء منها بموافقة وتشجيع من إسرائيل، وهي في الآونة نفسها، تمنح الجيش اللبناني عشرات الملايين من الدولارات كي يدفع رواتب جنوده، وتستثمر المليارات في مصر، وتساعد الأردن بصورة دائمة.
* * *
في نظر إسرائيل، الأردن يكمل محور الشر بسبب تصريحات الملك عبد الله ضدها، وخصوصاً تصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي؛ وقرار استدعاء السفير الأردني من إسرائيل (للمرة السادسة)؛ وبسبب اسم «مطعم 7 أكتوبر» ( حُذف الاسم بأوامر من السلطات الأردنية)- لكنه أيضاً حليف عسكري مهم لإسرائيل، وعلى الرغم من التوتر الكبير في العلاقات بين الملك عبد الله وبين نتنياهو، فإن التنسيق مستمر، وكذلك التعاون العسكري والاستخباراتي.
الأردن حليف استراتيجي للولايات المتحدة التي تعتبره قاعدة مهمة لمواصلة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وهو مكوِّن جوهري في الائتلاف السياسي الموالي لأميركا في المنطقة. والأهم من ذلك، إن مساهمة مصر والأردن كبيرة، ومن خلال توقيعهما اتفاق سلام مع إسرائيل، وضعا الأسس التي منحت الشرعية لاتفاقات سلام مع دول أُخرى في المنطقة، مثل الإمارات والمغرب والبحرين، والتي من دونها لم تكن السعودية لتصل إلى مرحلة إجراء نقاشات للتطبيع مع إسرائيل.
من بين الحجج المعلنة التي دفعت «حماس» إلى المبادرة إلى القيام بعملية «طوفان الأقصى» كانت وقف عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، والتي كانت على وشك أن تنضج. هذا التطبيع كُبح،  وبدلاً من ذلك، تبنّت السعودية سياسة قديمة – جديدة، فهي لم تعد تكتفي بتحسين ظروف حياة الفلسطينيين، بل تطالب بوقف كامل لإطلاق النار، والدفع قدماً بحل الدولتين.
عندما تتشاجر إسرائيل مع مصر، وتهدد بمعاقبة الأردن بإلغاء اتفاقية المياه، وتريد تصفية حسابها مع قطر، فهي لا تعرّض للخطر فقط اتفاقات السلام القائمة، والتي يمكن أن تتحقق، بل تفتح مساراً تصادمياً مع الولايات المتحدة وحلفائها.

المصدر: هآرتس
اعداد:  م . د . ف