بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

23 أيار 2024 12:01ص من إعلام العدو: نتنياهو يورِّط إسرائيل بملاحقات للدولة ومواطنيها

حجم الخط
عاموس هرئيل

قد يكون للتطورات الجارية على الساحة الدولية تداعيات حقيقية في الفترة المقبلة فيما يتعلق بتحركات إسرائيل في الحرب في قطاع غزة، وعلى الحدود اللبنانية. فجأة، تشابكت عمليتان معاً: تسريع الإجراءات القانونية المتخذة ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين (وربما قريباً ضد الدولة أيضاً) في محكمة لاهاي، والجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لإبرام اتفاق مع السعودية، قد يشمل أيضاً صفقة تطبيع مع إسرائيل. راهناً، لا يزال تأثير هذه الأحداث في الوضع على الأرض محدوداً. وربما بعكس ذلك، تزداد المؤشرات التي تفيد بأن الجيش الإسرائيلي يتجه نحو توسيع عملياته في رفح، بحيث يصل، ربما، إلى احتلال المدينة بأسرها، بعد أن خففت الولايات المتحدة معارضتها للعملية.
لم يأتِ طلب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت كالصاعقة، إذ أمضى نتنياهو عشرات الساعات في المناقشات طوال الشهرين الماضيَين مع كبار المسؤولين في كلٍّ من وزارة العدل والجيش الإسرائيلي، تحضيراً للسيناريو الأسوأ. وبعد إعلان المدعي العام كريم خان، يوم أمس الأول، عبّر نتنياهو عن استنكاره التام لهذه الخطوة. ثم قام بتجنيد معظم الكتل البرلمانية في الكنيست لكتابة رسالة احتجاج.
لكن إسرائيل تشنّ هجوماً متضافراً من خلف الكواليس، يتمثل في التوسلات والتهديدات والضغوط غير المباشرة، في محاولة لحشد دول غربية لمصلحتها من أجل كبح خطوة خان. تبدو فرص نجاح الأمر ضئيلة جداً في الوقت الحالي. على الرغم من أن إدارة بايدن أصدرت بياناً ينتقد طلب المدعي العام - فضلاً عن أن الولايات المتحدة ليست طرفاً في الاتفاقية التي أنشأت المحكمة - فإنه من الصعب رؤية بايدن يخاطر مرة أُخرى من أجل إسرائيل في هذا الشأن.
عندما تكون إسرائيل، التي تعرضت لهجوم «وحشي» في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، على وشك أن تجد كبار مسؤوليها في قفص الاتهام، وهم يواجهون اتهامات بارتكاب جرائم حرب، فهذه ليست مجرد حالة من إهدار الصدقية الدولية، ولا يمكن أن تُفسّر فقط بأنها «معاداة للسامية»، أو «ازدواجية في المعايير الأخلاقية»، التي تظهر أحياناً تجاه إسرائيل. إن تطور الأحداث يشير بصورة واضحة إلى مكانة نتنياهو في العالم، وإلى «مهاراته الدبلوماسية». هذا الرجل الذي لطالما ادّعى أنه رجل دولة عظيم، بات غير قادر على تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي حددها للحرب، كما أنه يورط إسرائيل في مشاكل ستلاحق الدولة ومواطنيها أعواماً عديدة، حتى بعد «المذبحة» التي ارتكبتها «حماس».

في ظل الجمود

في مواجهة المسار الذي يلوح في الأفق لإسرائيل، على غرار صدور مذكرات الاعتقال، وصدور أوامر بوقف القتال، وربما حتى قرار مجلس الأمن بالتهديد بفرض عقوبات، جاء الأميركيون مرة أُخرى ليعرضوا علينا خطة للنزول عن الشجرة، إذ ناقش مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الأمر مع القيادة الإسرائيلية خلال زيارته للبلد يوم الأحد المنصرم.
لقد باتت الوثيقة الأميركية - السعودية قريبة من الاكتمال. وإذا اختارت إسرائيل الانضمام، فمن المتوقع أن تحصّل العديد من الأمور المهمة: تطبيع العلاقات مع الرياض، وعضوية فيما يمكن تشبيهه بمظلة أمنية موالية لأميركا، مع دول المنطقة، وهي مظلة تهدف إلى كبح إيران، وإنهاء الحرب في غزة، مع ضمان إطلاق سراح جميع المخطوفين، وفرصة لإنهاء القتال ضد حزب الله في لبنان. في المقابل، يطلب الأميركيون إعلاناً إسرائيلياً بشأن العمل على خلق أفق سياسي لرؤية «الدولتين»، والموافقة على آلية لإدارة غزة، تشمل إشراكا للسلطة الفلسطينية في الأمر.
وفقاً للمعلّق الأمني ​​في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس، فإن السعوديين على استعداد للاكتفاء بالتزام إسرائيلي بإنشاء «مسار موثوق به» لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل. كما يتحدث الكاتب عن تفاؤل نسبي يسود الإدارة الأميركية بشأن ظهور فرصة جديدة لإنهاء الحرب، وذلك أيضاً على خلفية التفاهمات الأميركية - الإيرانية التي تم التوصل إليها مؤخراً لمنع التصعيد الإقليمي. وتنسب المصادر الأميركية ذلك إلى تحذيرات مباشرة وجّهتها الولايات المتحدة إلى طهران.
ومع ذلك، يبدو أن الاقتراح الأميركي مليء بالفجوات. فهو يعتمد على موافقة «حماس» على صفقة تبادُل الأسرى. لكن على الرغم من أن المصلحة الأولى لحركة «حماس» تتمثل في إنهاء الحرب (وهو هدف ستوافق الحركة على دفع كثير في مقابل تحقيقه)، إلا إنها غير مكترثة للانضمام إلى خطوة من شأنها إدامة التحالف الإسرائيلي السعودي في المنطقة، بل إن العكس هو الصحيح. فضلاً عن أن فكرة إمكان البناء على قيام بديل سلطوي، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، ستكون مشروطة، ربما بإضعاف «حماس» بشكل كبير، وهناك شك في تحقيق هذا في سيناريو ينهي القتال الآن.
يبدو أن نتنياهو يعتزم رفض الاقتراح في أيّ حال، نظراً إلى التحالف الذي أبرمه مع حزبَي اليمين المتطرف، اللذين يهددان بالانسحاب من الائتلاف لدى ظهور أيّ بادرة إلى وقف الحرب، والإفراج عن أعداد كبيرة من السجناء الفلسطينيين، أو صدور التزام، مهما كان غامضاً، بشأن تعزيز رؤية الدولة الفلسطينية. لكن ربما ينبغي لنتنياهو أن يأخذ في الاعتبار أمراً آخر. إذ طرأ تغيير ملحوظ على وضعه الشخصي يوم أمس الأول: هذا الرجل على بُعد خطوة واحدة من إصدار أمر اعتقال دولي بحقه، للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب. وقد تكون التسوية السياسية التاريخية مع السعودية بمثابة تذكرة خروج له.
وعلى الرغم من أن المحكمة لديها نهج مستقل، فإن المؤسسة الدولية قد تجد صعوبة في ملاحقة زعيم على وشك توقيع اتفاقية مع أهم الدول العربية. ويبدو أن هذا ما لمّح إليه رئيس الدولة إسحاق هرتسوغ عندما قال بعد اجتماعه بسوليفان إن التطبيع سيكون، وفق تعبيره، «تغييراً تاريخياً في اللعبة»، وأعرب عن أمله بأن يتم التعامل مع الاقتراح الأميركي بجدية.
في حين يضغط سوليفان على إسرائيل للمضي قدماً مع السعوديين، تخفف الإدارة من ضغوطها بشأن الحؤول دون عملية برية إسرائيلية في رفح. وكما أوردنا على صفحات «هآرتس» هنا أمس، فإن حقيقة أن إسرائيل قامت فعلاً بإجلاء نحو مليون مدني فلسطيني عن رفح، خفّضت منسوب القلق الأميركي بهذا الشأن. قبل أسبوعين، أوقف الرئيس جو بايدن شحنة كبيرة من القذائف المخصصة لسلاح الجو الإسرائيلي بسبب الخلاف بشأن رفح. الآن، يبدو أن الأميركيين أقلّ انزعاجاً.
مع كل ما تقدّم، علينا أن نتذكر أنه لا يزال هناك ما يقرب من 400 ألف مدني فلسطيني في المنطقة. وبذا، فإن الخط الأحمر الأميركي لا يزال قائماً فيما يتعلق بالقتل الجماعي. هناك أيضاً مقتل الرهائن في القصف الإسرائيلي، إذ يُفترض أن بعضهم محتجز في رفح. ولذا، ينبغي لأيّ عملية واسعة النطاق في رفح أن تأخذ في الاعتبار هذين القيدين.
تجري العملية في رفح على خلفية جمود تام في قضية الرهائن. وقد ورد أمس أن نتنياهو تجاوز الفريق المعني بقضية الأسرى والمفقودين عندما حاول كبار مسؤوليه طرح اقتراح جديد لبدء المحادثات، مدعياً أن هؤلاء لا يجيدون التفاوض.
ووفقاً لتقرير آخر، بثته هيئة البث الإسرائيلية «كان»، فإن رئيس مركز الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي اللواء الاحتياط نيتسان ألون يفكر في مستقبله، في ضوء الجمود وموقف نتنياهو، لكنه اقتنع بالبقاء في منصبه بعد محادثات أجراها معه كلٌّ من الوزير غالانت ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي. يبدو الأمر توصيفاً حذراً للأحداث، لكن ألون ليس بعيداً عن اتخاذ قرار الاستقالة، فقد يتخذ خطوة من هذا القبيل، إذا توصّل إلى استنتاج مفاده أنه لم يبقَ لديه أيّ تفويض في إدارة المفاوضات.
قد تؤثر قرارات ألون أيضاً في موقف حزب «المعسكر الرسمي» الذي لا يزال رئيسه الوزير بني غانتس، متمسكاً بالموعد النهائي البعيد الذي حدده كإنذار لنتنياهو، في 8 حزيران/يونيو، وذلك على الرغم من أن رئيس الوزراء رفض جميع مطالب غانتس علناً، بعد أقلّ من ساعة على تقديمه لها.

المصدر:هآرتس
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية