2 شباط 2023 12:01ص أحزاب وتجمّعات سياسية قامت ثم تلاشت في كل عهد.. زمن حلو والتحوّلات (5)

94 يوماً من الشغور الرئاسي.. ولبنان يعيش كل أنواع الأزمات

شارل حلو شارل حلو
حجم الخط
94 يوما على الشغور الرئاسي في لبنان، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق قريبا، وبينما لم تسفر الجلسات الانتخابية الـ11 عن أي نتيجة، تستمر الحكومة الميقاتية الثالثة التي تعتبر مستقيلة منذ بدء ولاية مجلس نواب 2022 في 22 أيار الفائت في مهام تصريف الأعمال، في وقت يواصل الدولار الاعيبه وتحليقه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، فيتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي كان يطلق عليه «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، وفي المفارقات الرئاسية منذ أول رئيس استقلالي، انه كانت تقوم مع كل رئيس جديد تكتلات وجبهات سياسية وحزبية جديدة، وتختفي أخرى.
بأي حال، فإن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، وبالتالي سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، فيما تتواصل معه مرارات اللبنانيين التي باتت تطال كل تفاصيل حياتهم اليومية، وخصوصا الصحية والاجتماعية والتربوية والاستشفائية والدوائية والغذائية، إضافة الى النور وحركة النقل، لكن ثمة سؤال يبقى يلحُّ في خاطر اللبنانيين عن كيفية ولادة تجمعات وتكتلات أو أحلاف سياسية في كل فترة زمنية ثم لا تلبث بعد عقد من الزمن أو أقل من التلاشي والإختفاء.

إذا كان الرئيس فؤاد شهاب حاول أن يطلق أسس الدولة الحديثة التي نجح في وضع لبناتها حتى العام 1964، لكنها لم تتواصل مع عهد الرئيس شارل حلو الذي كان عهده بدأ يشهد تطورات إقليمية حادّة أبرزها حرب 5 حزيران 1967، فبدأ صعود المقاومة الفلسطينية التي تنامى نفوذها ودورها بعد هزيمة حزيران، ثم كان الاعتداء الإسرائيلي الواسع على مطار بيروت الدولي عام 1968 وتدمير الأسطول الجوي لشركة طيران الشرق الأوسط الخطوط الجوية اللبنانية، فكان أن استقالت الحكومة الرباعية برئاسة الحاج حسين العويني لتخلفها حكومة جديدة برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، إلّا أنه في ربيع العام 1969 وعلى اثر صدام بين المقاومة الفلسطينية وقوى الأمن الداخلي اللبناني، وانطلاق تظاهرات 23 نيسان تحت شعار حماية المقاومة الفلسطينية، انقسمت البلاد وطنياً وطائفياً، واستقالت الحكومة الكرامية، فلم يشأ الرئيس حلو قبول الاستقالة أو رفضها، لأنه أدرك أن البلاد على حافة الهاوية، وأن كل مناورة سياسية تقليدية من شأنها نقض الميثاق الوطني، مع ما يستتبع ذلك من أخطار.
تجارب جبهوية
تلك الفترة، وحتى العام 1970 شهدت نشوء العديد من التحالفات والجبهات السياسية، وهي في ولادتها تخضع بأسباب تأسيسها لنفس أسباب تأسيس العديد من الأحزاب السياسية اللبنانية والتي تعود إلى مجموعة من العوامل المعقّدة التي ترتبط بالتكوين الاجتماعي والطائفي والاقتصادي والسياسي، ونظراً لسعة وتنوّع الأحزاب السياسية في لبنان تم التركيز على أهم الأحزاب التي كان لها الدور الفاعل في تشكيل العمل الجبهوي، لأن التجربة الجبهوية في لبنان ضرورة فرضها واقع البلد وظروفه التاريخية، وينبثق العمل الجبهوي وفق الأسس الصحيحة للعلاقات بين أحزاب الجبهة مع وجود برنامج سياسي ونظام داخلي لها، وعلى ذلك ، كان التحالف اليساري الذي نشأ عام 1964 لتأييد مطالب المعلمين والطلاب والعمال وضم: الحزب التقدمي الاشتراكي، الحزب الشيوعي اللبناني، وعدد من الشخصيات الوطنية.
وفي عام 1965 وضع كمال جنبلاط نواة جبهة الأحزاب والقوى التقدمية والشخصيات الوطنية رداً على موقف الرئيس حلو من تحييد لبنان. أعلن عنها في مهرجان شعبي كبير في بتخنية في المتن الأعلى. وكان برنامجها يتضمن ثلاثة مراحل: الحد من الإحتكار وحماية الإنتاج المحلي، تأييد عبد الناصر وعدم الانجرار في المواقف المؤيدة للولايات المتحدة الأميركية والتقرّب من الإتحاد السوفياتي.
وضمّت هذه الجبهة الحزب التقدمي الإشتراكي، الحزب الشيوعي اللبناني، حركة القوميين العرب، جبهة التحرر العمالي، وشخصيات كمعروف سعد وجميل لحود ونهاد سعيد.
وفي العام 1968 انطلق تجمع الأحزاب والقوى التقدمية بعد العدوان الإسرائيلي على مطار بيروت وإقتصر برنامجه على الدفاع عن حرية العمل الفدائي.
وضم هذا التجمع: الحزب التقدمي الإشتراكي، حركة القوميين العرب، الشيوعيون اللبنانيون، حزب البعث العربي الإشتراكي، حزب النجادة، نادي خريجي المقاصد، اللجنة التنفيذية للمؤتمر الشعبي في صيدا والجبهة التقدمية لمكافحة الصهيونية وغيرهم.
في غضون ذلك، تأسست في العام 1968 «كتلة الوسط النيابية» التي ضمّت الرئيس صائب سلام الى جانب كامل الأسعد وسليمان فرنجية، وكانت معارضة للشهابية.
وفي نفس العام صعد نجم «الحلف الثلاثي» بين الأحزاب المسيحية الثلاث الكبرى في لبنان، وهي حزب الكتائب بقيادة بيار الجميّل وحزب الوطنيين الأحرار بقيادة الرئيس كميل شمعون، والكتلة الوطنية بقيادة العميد ريمون إده. جاء التحالف لمواجهة النهج الشهابي، وكردة فعل على ظهور منظمة التحرير الفلسطينية كعامل مؤثر على الساحة اللبنانية وفي ظروف تداعيات حرب الأيام الستة.
نحو مرحلة جديدة
أنهى انتصار الحلف في انتخابات 1968 الأغلبية الشهابية في المجلس النيابي، وكان مع كتلة الوسط النيابية، وجبهة النضال الوطني بزعامة كمال جنبلاط (لم يمتثل النائبان بهيج تقي الدين ومعروف سعد لقرار جنبلاط) عاملا حاسما في وصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية وتحجيم دور المكتب الثاني في الحياة السياسية اللبنانية.
الى ذلك ، فقد شهدت تلك الفترة (1965 - 1970) تطورات بارزة على مستوى العمل الحزبي حيث رفع قرار وزير الداخلية كمال جنبلاط الحظر في 15 آب عام 1970 عن الحزب الشيوعي اللبناني وحزب البعث العربي الاشتراكي، كما قضى القرار أيضا بمنح الحرية الكاملة للعمل الحزبي في لبنان لجميع الأحزاب الممنوعة بممارسة نشاطها. علما ان هذه المرحلة أيضا، شهدت تجارب انتقال بعض المثقفين من تنظيم إلى آخر، كانتقال جوزيف سماحة ووليد نويهض وحازم صاغية من الحزب السوري القومي إلى منظمة العمل الشيوعي، وانتقال جهاد الزين من منظمة العمل إلى الحزب التقدمي الاشتراكي وغيرها من الخيارات التي توضح أهمية المثقف الثوري في تلك المرحلة. كما كان هناك التحاق للعديد من المثقفين في الكتيبة الطلابية في حركة فتح.
(يتبع)