بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 آب 2022 12:01ص أسرار الانتخابات الرئاسية في مذكرات صائب سلام (٢)

لهذه الأسباب أيّدتُ شمعون «المتواضع» ضد حميد فرنجية المقرّب من «آل الصلح».. شمعون «المتعجرف» نفر في وجهي قائلاً: أنا لست مكسر عصى لأبناء إدّه ولا لغيرهم!

حجم الخط
الإبحار مع مذكرات الرئيس صائب سلام هو في الواقع غوص في ثنايا تاريخ دولة الاستقلال، وما ميّزها من نجاحات باهرة حيناً، وما صادفها من كبوات موجعة وتحديات صارخة أحياناً. ذلك أن هذه المذكرات خرجت عن الصيغة التقليدية للسيرة الذاتية، وإهتم صاحبها بتأريخ لحظة الحدث أكثر من تركيزه على الرأي الشخصي أو الترويج لموقف سياسي، وهي بذلك تبقى مرجعا للباحث، وزادا للسياسي الصاعد، ومصدر إلهام وخبرة للأجيال الناشئة.
من «لبنان واحد لا لبنانان»، في زمن الإنقسامات في الخمسينيات، إلى صيغة «التفهم والتفاهم» في زمن الصراعات وإنقطاع الحوارات في السبعينيات والثمانينيات، إلى الحرص على «لبنان الواحد بجناحيه المسلم والمسيحي» في زمن الإنتخابات العرجاء في مطلع التسعينيات. محطات لها تاريخ في مسار الوحدة الوطنية التي كان صائب سلام أبرز رموزها على مدى نصف قرن ونيّف.
ليس سهلاً الإحاطة، بهذه العجالة، بسفرٍ من ثلاثة أجزاء ويضم ألف وسبعمائة صفحة، فكان لا بد من إختيار محور واحد يتناسب مع الأحداث التي يعيشها لبنان حالياً، وهل ثمة أنسب من محور الإنتخابات الرئاسية، والبلد اليوم يعيش أجواء الإستحقاق الرئاسي في مرحلة من الإضطراب وعدم الإستقرار.
الحلقات ستغطي تباعاً أسرار الإنتخابات الرئاسية من إستقالة الشيخ بشارة الخوري إلى إنتخابات الرئيس إلياس الهراوي، وما تخللها من مناورات وصفقات وكرّ وفرّ هي من سمات المعارك الإنتخابية في لبنان.

انتخابات الرئاسة الجديدة

بعد اعتزال «بشارة الخوري»، انتقلنا إلى انتخابات رئاسة الجمهورية التي ينصّ الدستور على ضرورة إجرائها فوراً بحكم القانون (المادة 74) في أقرب فرصة ممكنة. فانحصرت المعركة بين «كميل شمعون» و«حميد فرنجية». ورغم الصداقة المتينة والقديمة التي تربطني بـ«حميد فرنجية»، أيّدت «كميل شمعون» الذي سبق أن اشترك في «المؤتمر الإسلامي» الذي انعقد في القدس برئاسة الحاج «أمين الحسيني»، وحضره شيخ العروبة «أحمد زكي باشا»، و«كميل شمعون» الذي كان يُلقب بـ«فتى العروبة الأغرّ» وهي التسمية التي أطلقها عليه الصحافي «بشارة مارون»، وكنت أحتفظ لـ«شمعون» بصورة له مع المجتمعين في القدس، وهو يعتمر الطربوش إغراقاً في إثبات انتمائه العربي. إضافة إلى ذلك، فإنّ أوضاع «شمعون» المادّية كانت متواضعة، وهذا ما اعتبرتُه وقتها دليلاً على نظافة يده. ومن الأدلّة على ذلك، طلبه منّي يوم التقاني في ساحة النجمة، قبل انتخابه رئيساً ببضعة أشهر، تأمين وظيفة له في «شركة طيران الشرق الأوسط» ولو براتب مئة ليرة في الشهر، وهو المبلغ الذي كان يتقاضاه رمزياً عضو مجلس الإدارة آنذاك. أمّا معارضتي لـ«حميد فرنجية» فقامت أساساً لقناعتي بأنّ انتخابه يعني عودة «آل الصلح» بشخص المقرّب منه «كاظم الصلح»، وهذا ما لم تكن الأوساط الإسلامية قادرة على تحمّله بعد «رياض الصلح»، وتسليم «سامي الصلح» رئاسة الحكومة.
فلمّا التقيت «حميد فرنجية» في مجلس النوّاب، انتحى بي جانباً في غرفة اللجان، بعدما أقفل الباب، وبدأ بمعاتبتي مستغرباً أن لا أقف إلى جانبه رغم صداقتنا القديمة، فصارحته بالدوافع التي أملتْ عليّ ذلك، فلم ينكر أنّه في حال انتخابه قد يكلّف «كاظم الصلح» بتشكيل الحكومة. والواقع أنّ هذه المسألة، وما كان من تذمّر شعبي بسبب تصرّفات «سامي الصلح» هي أيضاً دفعت «أحمد الأسعد» وكتلته إلى معارضة «فرنجية»، كما أنّ «كتلة نوّاب بيروت» ولا سيّما «حبيب أبو شهلا»، عارضته معي للسبب نفسه ولأسباب أخرى، وقد حاول «هنري فرعون»، خلال اجتماع عقدناه في منزل أحد نوّاب بيروت، «أمين بيهم» في صوفر، أن يقنعنا، أنا ونوّاب بيروت، بتعديل موقفنا وانتخاب «حميد فرنجية»، لأنّهم كانوا يعتبرونه منتمياً إلى «الكتلة الدستورية» برئاسة «بشارة الخوري»، فلم يوفّق في مهمّته، وقد جرى يومها صدام بين «فرعون» و«حبيب أبو شهلا» الوزير والنائب الأورثوذكسي النافذ، وقد قيل يومها إنّ «وحياً أجنبياً» أملى علينا، بواسطة «حبيب أبو شهلا»، الموقف المعارض، وهذا غير صحيح في ما يخصّني.
ولمّا تبيّن للجميع أنّ الأكثرية النيابية إلى جانب «شمعون»، دعانا «يوسف سالم» صديق «حميد» إلى اجتماع بمنزله في الأسبوع الثالث من أيلول/سبتمبر 1952، حضره المرشّحان، وتمّ خلاله إعلان انسحاب «فرنجية»، وإن بغصّة، لمصلحة «شمعون».
والواقع أنّ العوامل التي أوصلت «شمعون» إلى رئاسة الجمهورية تتلخّص بمواقفه الاستقلالية، وبدوره على الصعيد العربي، وبوضعه المادّي المتواضع، حيث وجدنا، يوم زيارتنا له في منزله، زوجته «زلفا» تقوم بنفسها بإصلاح ثيابها القديمة، لأنّ زوجها لا يستطيع شراء ثياب جديدة لها ويعجز عن دفع أجرة تصليح الثياب القديمة. وعلى رغم اعتنائه بهندامه ولباسه، كان «كميل شمعون» يحافظ على لباس قديم، ومنه سترة (جاكيت) بقي يرتديها بعدما مضى عليها الزمن، بدليل قصرها ووجود رقعة جلدية على كوع الكمّين، وهي موضة إنكليزية منذ أيّام وجوده سفيراً في بريطانيا.
غير أنّ «شمعون» تبدّل كلّياً فور وصوله إلى رئاسة الجمهورية، فهو سعى منذ اللحظة الأولى لتولّيه السلطة إلى التفرّد بالمواقف، وأصبح متعجرفاً في تعامله مع الجميع. وأذكر في هذا المجال أنّني كنت أزوره يوماً في «قصر الرئاسة» بـ«بيت الدين»، وحاولت أن أفهمه أن ليس من المصلحة معاداة «أبناء إدّه»، كما كانوا يسمّونهم، أي «ريمون» وأخوه «بيار»، فنفر في وجهي قائلاً:
- أنا لست مكسر عصى، لا لـ«أبناء إدّه» ولا لغيرهم.

القوّات الأميركية في لبنان

وسط هذه التناقضات الداخلية والإقليمية، جاءت أخبار الثورة في العراق في 14 حزيران/يونيو 1958، لترفع من معنوياتنا، باعتبارها انتفاضة شعبيّة عربيّة تحريرية عطلّت «حلف بغداد»، ولا سيّما بعد استقبالي «صديق شنشل»، وهو صديق قديم لي، أرسله «عبد الكريم قاسم» ليبلغني دعم الرئيس العراقي لنا ووضعه كلّ إمكانيات بلده بتصرّفنا. وقد أبلغني «شنشل»، وكان في طريقه إلى الهند لتسلّم منصبه الجديد سفيراً لبلده، أنّ المسؤولين العراقيين يفوّضون إليّ كافّة الصلاحيات لبتّ الأمور العائدة أصلاً لسفرائهم في بيروت، وأنّ الرئيس العراقي الجديد أعطى تعليمات إلى سفارته في بيروت، بعدم منح أيّ تأشيرة دخول للعراق إلّا بموافقتي، الأمر الذي حمّلني عبئاً جديداً فوق أعبائي.
وكان ردّ فعل أميركا فورياً على ثورة العراق، إذ استفاقتْ بيروت على قطع الأسطول السادس راسية قبالة شاطئها، وبينها حاملة الطائرات الشهيرة «ساراتوكا»، ونزل رجال «المارينز» الأميركان على شواطئ الأوزاعي. يومها، ذهب «فؤاد شهاب» واستقبل قائد الأسطول «الأميرال هولوي» في منطقة بئر حسن مطالباً بابتعاد «المارينز» إلى شمال بيروت، وقد برّر «شهاب» لي موقفه بالنظرية العسكرية، حول دخول الجيش لمدينة غريبة، حيث كان لا بدّ لقائدها من أن يقصفها قصفاً مكثّفاً لتسهيل دخول مشاته إليها، ولتفادي التورّط مع أيّ مقاومة في شوارعها وأزقّتها.
وقد نفّذ «شهاب» نظريته بأن جعل بعض قادة الجيش اللبناني يرافقون «المارينز» في دخولهم نواحي المدينة من الشاطئ الجنوبي إلى المرفأ، حيث تمركزوا هناك.
وقد اقتنعتُ بوجهة نظر «فؤاد شهاب» العسكرية، وأيّدتُه فيها رغم ما لحقني من شتائم الشيوعيين الذين اتّهموني بالخيانة. وكان ذلك يوم دعوت شبابنا إلى اجتماع كبير ضمّ عدداً كبيراً من المسلّحين، وطلبتُ منهم الاحتفاظ بسلاحهم للدفاع عن النفس، وعدم التصدّي للاحتلال الأميركي الذي لم يكن لنا قِبَـلٌ بمجابهته - كما كان يطالبني ويطالب بعضهم «عبد الحميد السرّاج» بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع نتيجة للاتصالات السياسية - وبرّرت ما قام به الجنرال «فؤاد شهاب»، ولم يكن دافعي من وراء هذا القرار التاريخي سوى الحفاظ على البلد والحيلولة دون الخسائر البشرية والمادّية التي كانت ستذهب دون أيّ جدوى، ولا سيّما أنّ «فؤاد شهاب» كان وحده ممسكاً بزمام الأمور، وتحت إمرته جيش متضامن.
هذا بالإضافة إلى أنّ هدفي الدائم كان إنهاء تلك الحركة بطريقة سلميّة، وأنا ما كنت يوماً لأرضى عن أعمال العنف كما كنت أنبذ محاولات اغتيال من نختلف معه في الرأي أو في الممارسة السياسية، وكذلك كنت، ولا أزال، ضدّ التفجيرات الديناميتيّة التي كان يُطلب من مقاتلينا القيام بها.
وعند خروج المسلحين من داري بعد انتهاء الاجتماع، قامت فئة قليلة منهم بما يشبه التظاهرة في شاحنات كانت تقلّهم، وكانوا يهتفون في شوارع بيروت: «صائب سلام ماكو أوامر» مذكّرين بما كان البعض يتّهمون به «نوري السعيد» من خيانة أثناء «حرب فلسطين» 1948، يوم منع «نوري» الجيش العراقي الذي كان على حدود فلسطين من الاشتباك مع الإسرائيليين، فراح العرب يردّدون أنّ الجيش العراقي أصبح في موقع الطاعة تبعاً لأوامر «نوري»، ويردّد قادته «ماكو أوامر، ماكو أوامر». وهذا ما دفعني إلى إرسال بعض الشباب ومنعهم من متابعة تظاهرتهم، لا خوفاً من هذه القلّة التي كان يقودها الشيوعيون والبعثيون، بل تحسّباً لما يمكن أن تناله بيروت من دمار لو قام نفر من الشباب وهاجموا مواقع الجيش الأميركي.
في تلك الفترة، دعا قائد بارجة القيادة في الأسطول الأميركي بعض الصحافيين إلى زيارة قطع أسطوله، وعادوا ليخبروني بأنّهم شاهدوا على ظهر تلك الدارعة في مكتب القائد صورة كبيرة لي، مع أسهم موجّهة إليها، وكتب تحتها بالإنكليزية: «هذا هو الرجل الذي جئنا لقتاله». وقد شاهدوا مدافع البارجة موجّهة إلى داري، الواضحة رؤيتها آنذاك في عرض البحر.
وعلى أثر لقائهما بالسفير «عبد الحميد غالب»، زارني «عبد الله اليافي» و«حسين العويني» وهما في حالة ذعر، وأخبراني أنّ «غالب» عاجز عن تقديم أيّ مساعدة أو مشورة، وأنّهما بالتالي قد أحضرا أمتعتهما، وهي في السيّارة، ويطلبان إليّ مرافقتهما إلى دار «كمال جنبلاط» في المختارة.
وكنت أعرف رغبة «كمال جنبلاط» المستمرّة في أن نجتمع في المختارة، ونعلن من هناك قيام «حكومة لبنان الحرّ». وهذا كان منافياً لرأيي تماماً، خصوصاً أنّني كنتُ أعارض ذلك عندما كان «جنبلاط» يؤكّد لنا أنّ الحكومة السوفياتية ستعلن تأييدها لهذه الحكومة فوراً... فرفضتُ اقتراحهما، وأصررت عليهما بعدم الذهاب إلى المختارة، وهكذا كان.
أمّا السوريّون، فكانت لهم حساباتهم المختلفة، والدليل على ذلك أنّ «عبد الحميد السرّاج» مدير المخابرات والمسؤول الأول آنذاك في سوريا، اتّصل بي ليلاً بالتلفون ليقول لي: 
- صدّوا هؤلاء الأميركان وأبيدوهم، ولا تخافوا من هذه الأساطيل الضخمة التي «تتمختر» أمامكم في عرض البحر، فنحن سنجعلها حديداً صدئاً في قاع البحر في ساعات معدودة... إلخ... إلخ...
وكم كان هذا القول سخيفاً! فناقشته كثيراً، كما كنت أناقشه في أمورٍ كثيرة باستمرار. وفي الواقع، فإنّ رأيي لم يتّفق مع رأي «السراج» في يوم من الأيّام، ولا سيّما عندما كنت ألمس أنّه يهدم الجمهورية العربيّة المتّحدة بتحريض السوريين على المصريين، حتى إنّه توصّل إلى التنكيل بعدد من المصريين الموجودين في سوريا، وزجّ بعضهم في سجن المزّة، ومارس عليهم التعذيب.
كذلك لم أفاجأ بحالة العجز التي ظهر فيها السفير المصري في بيروت «عبد الحميد غالب»، لأنّني كنت قبل بضعة أيّام قد أرسلت الدكتور «وليد الخالدي» لمقابلة «عبد الناصر» شخصياً بعدما شعرتُ بغموض في موقفه نحو حركتنا، فعاد «الخالدي» يخبرني أنّ الرئيس المصري استقبله بعد عناء، ولم يقدّم لنا أيّ دعم مادّيّ أو معنويّ.
هكذا كان موقف «عبد الناصر» بارداً جداً نحو الرسول الذي بعثت به إليه، وهذا ما لم أفهم سببه إلّا بعد انقضاء الثورة، عندما اكتشفتُ أنّ «عبد الناصر» كان قد اتّفق مع الأميركيين في شأن حركتنا في لبنان.

«مورفي» في بيروت

قبيل انتهاء «الثورة»، وصل إلى بيروت المندوب الأميركي «روبرت مورفي»، وبدأ اجتماعاته مع السياسيين، ومنهم «حسين العويني» و«عبد الله اليافي»، ولم يتّصل بي، كما لم أقبل أن أبادر إلى الاتّصال به. وبعدما أنهى اجتماعاته مع الجميع، طلب الاجتماع بي خارج منطقة المصيطبة لدواعٍ أمنية، واتّفقنا على اللقاء في منزل ابن عمّ زوجتي «إبراهيم مردم بك» في منطقة فردان.
ذهبتُ إلى المكان المحدّد سيراً على الأقدام، يحيط بي عدد من الشباب، والتقيتُ «مورفي» بوجود السفير الأميركي في بيروت «ماكلنتوك»، فبادرني بتبرير تأخيره اللقاء معي بأنّني الوحيد، من بين الذين قابلهم، القادر على اتّخاذ القرار، كما قال، وأكّد رغبة بلاده في حلّ الأزمة سلمياً وقال: «إنّ وجود المارينز في بيروت مرتبط بالثورة في العراق»، وممّا قال، وأدوّن ذلك للتاريخ، إنّ نزول الجيش الأميركي في لبنان لم يكن إلّا امتحاناً لنيّات السوفيات ومدى استعدادهم للخوض في نزاعات عسكرية مع الولايات المتّحدة الأميركية، بعد قيام انقلاب «عبد الكريم قاسم» في العراق، الذي أشيع أنّه انقلاب شيوعي. وردّاً على قولي له: «أنتم تدعمون شمعون وأتيتم بناءً على طلبه»، أجاب «مورفي»: «طلب شمعون موجود لدينا منذ فترة، ولم نرسل المارينز إلّا للأسباب التي ذكرتُها لك، ونريد مساعدتك شرط أن تساعدونا في حلّ الأزمة سلمياً، خصوصاً أنّكم تعرفون الشعب الأميركي وجهله بقضايا العالم وشعوبه».

سوكارنو ومارلين مونرو

وروى لي «مورفي»، مدعّماً رأيه، قصّة طريفة حصلت يوم زار رئيس إندونيسيا «سوكارنو» الولايات المتّحدة، وطلب مقابلة الممثّلة «مارلين مونرو»، ما سبّب إحراجاً للمسؤولين الأميركيين، وكان المَخرج بإقامة حفلة في هوليوود، دعوا إليها عدداً من الفنّانين والفنّانات، من بينهم «مارلين مونرو»، فلما تقدّمتْ مع غيرها للسلام على «سوكارنو»، قالت له وهي تتعثّر بخطواتها: «لي الشرف بالتعرّف إلى رئيس الهند»، فانتفض «سوكارنو» بنبرة عنيفة، وقال بصوت عالٍ: «أنا لست رئيس الهند، أنا رئيس إندونيسيا»، فزادها هذا تلعثماً وقالت: «عذراً لم أسمع بهذا الاسم من قبل».
روى «مورفي» هذه القصّة وعلّق عليها بقوله: «هذا هو وضع أكثرية الشعب الأميركي».
وفيما كان يستعرض معي أسماء المرشّحين لرئاسة الجمهورية، طرح «مورفي» اسماً كان يلفظه مرّة «مستر مايتي» ومرّة «مستر هايتي»، فأدركتُ مَن يقصد وقلت له: «تعني الدكتور يوسف حتي». وبرّر «مورفي» هذا الاختيار بقوله: «اثنان من مؤيّديك السياسيين، حسين العويني وعبد الله اليافي، طالَبا به». ثمّ سمّى بعده «إميل الخوري»، ثمّ «بشارة الخوري». 
وكان تعليقي أنّ «حتّي» لا يصلح، و«إميل الخوري» لا شعبيّة له، أمّا «بشارة الخوري» فهو أقوى الرجالات السياسية، لكنّ عودته إلى الحكم غير مقبولة، ولا سيّما أنّنا في هذه الظروف بحاجة إلى رئيس تكون عنده القدرة على فرض هيبة الحكم وإعادة توطيد الأمن والاستقرار - المفقودَين آنذاك في لبنان - وكذلك المؤسّسات الشرعية، إلى وضعها الطبيعي. وهذه الميزات لا تتوفر إلّا في شخص «فؤاد شهاب»، لكونه قائداً للجيش، وقد سبق له أن تولّى مقدّرات البلاد يوم استقالة «بشارة الخوري».