بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 كانون الأول 2020 12:01ص ألقاب.. قشور.. سجّادة حمراء والشرش الأفخم!!

حجم الخط
الألقاب... مالئة الدنيا وشاغلة المسؤولين والسياسيين والحكام ورجال الدين في بلاد الأرز، فيما الناس لا همّ لهم ولا اكتراث الا بتأمين قوتهم ولقمة عيشهم وحياتهم الاجتماعية واليومية التي باتت تنذر بأوخم العواقب وأخطرها في بلد عشعش فيه الفساد واستشرى فيه كل ما يخطر على بال من سرقات وصفقات وسمسرات من قبل المتسلطين على زمام الأمور والمتحكمين برقاب العباد، وقد اقترفوا ما اقترفوه حتى الآن من دون أن يسأل أحدهم نفسه أو الآخرين من الطقم السياسي الفاسد، ماذا اقترفت أيدينا، وكيف يُمكن لنا بعد اليوم أن نواجه الناس، وأين نحن من الألقاب التي نتغنى ونتباهي بها على مدار الساعة ليل نهار؟

من هنا، نذكر مثل تلك الألقاب... فخامة لرئيس البلاد، دولة لكل من رئيسي المجلس النيابي والحكومة ولنائبيهما، معالي للوزراء الأشاوس الحاليين والسابقين، سعادة للنواب والسفراء والمدراء العامين وللقناصل، البيك لمن هو بيك أباً عن جد، الشيخ الذي يحمل اللقب ويرثه عن أجداده الشيوخ والمشايخ، الأفندي وهو لقب الجد والعم والأب حتى وصل إلى الابن وربما سينتقل إلى الحفيد لاحقاً، عطوفة حصراً مخصصة لسلالة الأمراء أطال الله بأعمارهم، الريّس يُطلق على رؤساء الأحزاب والتيارات والقضاة وحتى على رؤساء البلديات - وعندك بحرية - ناهيك بالزعيم والحكيم والعظيم الى ما هنالك من ألقاب أخرى.

أما بالنسبة للمسؤولين الروحيين ورجال الدين، فهم بدورهم يتمتعون ويتحصنون بألقاب وصفات عدّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: نيافة، غبطة، سماحة، سيادة، فضيلة، والمفتي الممتاز، وغيرها وغيرها.

هنا يكمن السؤال الاهم: هل ان مثل تلك الألقاب تصنع الرجال والمقامات وتسلّط الأضواء على مناصبهم ومراكزهم ومقاماتهم أم أن مسؤولية من يفترض بهم أن يعملوا في خدمة الوطن والمواطن والانسان على حدّ سواء هو الأبرز والافعل، مع الإشارة هنا إلى ان مذكرة إدارية كانت قد صدرت في آب 2019 عن الأمين العام لمجلس الوزراء طلب فيها من جميع الموظفين والعاملين في المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء عدم استعمال الألقاب في التخاطب واعتماد كلمة «السيدة» أو «السيد» في كل المراسلات الإدارية عملاً بقرار مجلس الوزراء رقم 5 تاريخ 22/8/2019 الذي أكد قرار المجلس رقم 36 بتاريخ 16/10/1997، الذي كانت قد اتخذته آنذاك حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لجهة إلغاء الألقاب في التخاطب والاستعاضة عنها بالسيد أو السيدة، (علماً أن مثل تلك الألقاب موروثة عن العهد العثماني).

فيا أصحاب الألقاب والمغترّين بها، ان مثل تلك الألقاب أصبحت أشبه بالقشور التي لا تغني عن جوع، وأيضاًَ هي أشبه بالشعارات البالية والفارغة من أي مضمون وقد أكل عليها الدهر وشرب، ولا تعني النّاس لا من قريب ولا من بعيد، فهل يا ترى ان مثل تلك الألقاب من شأنها ان تفرفح القلوب وتسعد النفوس وتغبط القلوب وتدع العقول لا تترهل ولا تشيخ؟

انطلاقاً من ذلك، لا بدّ للمسؤولين والحكام والسياسيين ان يتواضعوا قليلاً، وان يعودوا إلى حيث النّاس الطيبين ليروا معاناتهم وعذاباتهم، لا سيما منها المعيشية والاجتماعية والصحية، التي هم عليها وفيها حالياً، وأن يتحدثوا معهم بلغتهم الشعبية المحببة، فتعالوا الى كلمة سواء، تجمع في ما بينكم وبين عامة الناس الذين يأكلون رغيف خبزهم من عرق الجبين، والذين أصبحوا يتحسرون على حكام ومسؤولين اقطاعيين حكموا لبنان على مدى سنوات وسنوات، الا انهم كانوا يتحدثون مع الناس بلغة الناس، يأتون إليهم بالأفراح والأتراح ويشرعون أبوابهم لاستقبال المحتاجين والمعوزين منهم، يلبون حاجاتهم قدر المستطاع.

أما اليوم، ماذا ترانا نقول في سياسيين ومسؤولين يتبوأون المراكز العليا في البلد ويتحدثون إلى الناس، إما من فوق أو عبر التصريحات والبيانات والتغريدات وما أدراك ما التغريدات، كلمات جوفاء تكاد لا تسدّ رمق جائع أو تُلبّي طلب محتاج.

لا أيها السادة، ما هكذا تُبنى الدول وتسيّر أمور البلاد من قبل المسؤولين والحكومات المتعاقبة، فحذار حذار من «الشرش الأفخم»... فهل يعلم أحدكم يا ترى ما هو الشرش الأفخم؟ من المؤكد أن معظم النّاس لا يدري ذلك، واليكم ما هو الشرش الافخم:

قالها مرّة الفنان العريق والقدير الراحل محمّد شامل: هناك مرض خطير جداً ليس له علاج أو لقاح أو دواء، وهو أخطر من المرض العضال ومن كل الأمراض الأخرى (بما فيها كورونا اليوم، والكورونا للتوضيح لم يكن أيام محمّد شامل). هذا المرض اسمه الشرش الأفخم، وعندما سئل عن مرض الشرش الأفخم الخطير أجاب شامل: بوضوح انه الغرور، المرض القاتل الذي لا يُشبه غيره من الأمراض الفتاكة والمميتة والخطيرة.

فهل لكم إليها المسؤولون والسياسيون والحكّام في هذا البلد ان تتنازلوا عن عروشكم وأبراجكم الواهية وعن كراسيكم، كما عن القابكم أيضاً، وأن تتمثلوا بزعماء ومسؤولين كبار من هذا العالم وبعباقرة ومخترعين وباحثين برعوا في حياتهم ومجالاتهم نستذكرهم دائماً من دون ألقاب أمثال اديسون وسقراط وبيل غيتس وغيرهم، وحتى كثر من رؤساء وحكام العالم المتحضر والمعاصر، هل تسنى لأحدكم ان يطلع على ما قام به رئيس حكومة هولندا مؤخراً مثلاً حيث توجّه الى عمله على متن دراجة هوائية من دون مواكبة أو مرافقين و«زمامير» وقد توقف على إشارة المرور بانتظار الضوء الأخضر، ليكمل طريقه بعد ذلك وبدون بهرجة؟ كما هل سمعتم بإحدى الوزيرات في أستونيا وقد قدمت استقالتها مع الكثير من الاعتذار لأنها خالفت القوانين واستخدمت سيّارة حكومية من أجل إيصال أولادها من وإلى المدرسة ذهاباً واياباً لعدة مرات؟ على أمل ان يصبح ذلك مألوفاً في وطن الأرز لبنان ومتبعاً من قبل المسؤولين والسياسيين والحكام مهما علت مراكزهم والمناصب.

أما قصة السجادة الحمراء فلها حكايتها أيضاً، وقد تبين مؤخراًَ انه لم تفرش تلك السجادة على الأرض للسير عليها من قبل المشاركين في قمّة قادة مجموعة العشرين التي انعقدت مؤخراً افتراضياًَ في الرياض، وكان التواصل بين الحاضرين عن بعد عبر نظام الفيديو من دون سجادة حمراء ولا من يسيرون عليها، بحيث كانت الكورونا هي الأقوى والأخطر والخط الأحمر لعدم لقاء الكبار وجهاً لوجه، ولم يكن لذلك أي أثر أو انتقاص من مكانة تلك الشخصيات التي شاركت في مثل هذه القمة أو غيرها.

إذن اختصار كل هذا المشهد لا لشيء إلا لنقول للحكام والمسؤولين والسياسيين في بلدنا: مهلاً أيها السادة، مرّة جديدة نقول لكم قليل من التواضع يفرفح القلوب، قلوب النّاس الطيبين، وحذار الشرش الافخم لأنه أخطر من الكورونا بكثير، وما عليكم الا الاقتداء برئيس وزراء هولندا وما فعله على دراجته الهوائية، وبالوزيرة الأستونية التي قدمت استقالتها عندما خالفت قوانين بلادها المرعية الاجراء، ولم يبق أمامكم الا النزول إلى حيث الناس علّ وعسى أن يغفروا لكم أخطاءكم وارتكاباتكم وموبقاتكم التي باتت تشكل خطراً حقيقياً عليكم قبل أن تشكل خطراً على الآخرين.

لذلك كفاكم التغني بالألقاب والقشور، واحذروا من تفاقم الشرش الأفخم في داخلكم، كما لا داعي بعد اليوم لسجادة حمراء تسيرون عليها في مناسبات عديدة، وتذكروا دائما مدى خطورة الشرش الأفخم علّ وعسی أن تنفع الذكرى.