بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تموز 2023 12:00ص أهمية الحفاظ على مبدأ سيادة سلطتنا القضائية الوطنية

حجم الخط
إن السلطة القضائية اللبنانية هي السلطة الثالثة في النظام السياسي، ودورها في نظام دولتنا الديمقراطي وُجد ليحافظ على حقوق الناس والمواطنين وحرياتهم من أي تطاول عليها من قبل أي سلطة أجنبية، ولو كانت سلطة قضائية أخرى. وذلك لتأمين العدالة وفرضها، ولهذا يقوم القاضي الوطني بتطبيق القانون بحذافيره على كل قضية مطروحة أمامه، وفق القواعد النافذة، ويعمل على إحقاق الحق، ولا يتلقّى أوامر من أحد، حتى لو كانت من جهات قضائية أجنبية أو دولية، عملاً بمبدأ السيادة الوطنية. وعليه، لا يمكن القبول بإملاءات أجنبية تطالب قضاءنا الوطني بمداهمات لمؤسسات دولتنا، كمداهمة مبنى المصرف المركزي، حيث أن الدرس الأول الذي نُعلّمه في كليات الحقوق هو احترام سلطة وسيادة القضاء اللبناني واستقلاليته، لأنه من دون عدالة ولا محاكمات عادلة كمحاكمات قضائنا الوطني الشريف والنزيه، لا وجود لدولة الحق والقانون، التي أساسها القضاء المستقل. ولأن قاضينا الوطني هو الساهر على تطبيق القانون، وتطبيق أحكام بنود المعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها الدولة وفق الأصول القانونية، فمن الطبيعي أن يرفض أي وصاية أو إملاء تحدّ من سيادة سلطته ودولته، ومن تمسّكه بالنظام القضائي الوطني المستقل، ولذلك يتولى هو بنفسه إصدار القرارات التي يرتأي أنها تؤمّن مبادئ المحاكمات العادلة وتصوٌب الأمور المتعلقة بتعاطي الدولة اللبنانية مع الجهات الأجنبية، انطلاقاً من مبدأ الحرص على السيادة الوطنية.
ولا بد من التذكير بأنّ السيادة هي من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها بنيان القانون الدولي العام، كذلك هي الركن الأساسي للقانون الدستوري اللبناني، وعلى هذا الركن تعتمد دولتنا في تعاملها مع الغير. وهي الخاصية الأولى للسلطة في الدولة، ولم يتردّد إدمون رباط بالقول: «إنّ السيادة هي واحدة ومطلقة بالنسبة إلى سلطة الدولة». 
والدول ذات السيادة التامّة كدولتنا لا تخضع في شؤونها الداخلية والخارجية لسيادة دولة أخرى ورقابتها. خلافاً للدولة ذات السيادة المقيّدة التي لا تتمتع بكامل حريتها في التصرّف، بسبب خضوعها وارتباطها بدولة أخرى، حيث تكون كالقاصر لا تستطيع إدارة شؤونها بنفسها، فيوكل أمر ممارسة سيادتها إلى دولة أجنبية أو هيئة دولية، وأشهر أنواع الدول ذات السيادة المقيّدة هي الدول المحمية أو الموضوعة تحت الانتداب أو المشمولة بالوصاية.
وللدول ذات السيادة التامة حقوق على الدول الأخرى، كحق الاحترام المتبادل، وحق المساواة وحق الحرية والاستقلال، وحق البقاء. كما أنّ حق المساواة بذاته يقضي بالتزام الدول حقّ الاحترام المتبادل، وهذا الحق يتمثل في أمور عديدة، نذكر منها: (1) احترام الكيان المادي، (2) احترام المركز السياسي للدولة، أي احترام أنظمتها السياسية والاجتماعية وعقائدها الدينية، وعدم تحريض رعاياها على سلطتها الشرعية، (3) مراعاة كرامة الدولة وهيبتها، لا سيما هيبة سلطتها القضائية المستقلة. كذلك فهنالك واجبات على الدول الأخرى منبثقة من حقوق دولتنا المعترف بها كدولة ذات سيادة تامة، كواجب عدم التدخل في شؤوننا الداخلية، الذي يعتبر أشهر مبدأ من مبادئ القانون الدولي العام، لأنّ أي تدخّل في شؤوننا هو عمل غير مشروع ولا يستند إلى أي مسوّغ قانوني، كالتدخل في عمل قضائنا اللبناني وفرض مداهمات عليه، مما يشكّل افتئاتاً على حق دولتنا في الحرية والاستقلال. وغالباً ما يكون الغرض منه رغبة دولة قويّة ذات أطماع في إملاء سياسة معيّنة أو طلب معيّن من دولة أضعف منها. وكثيراً ما تتدخل الدول الكبرى في شؤون الدول الصغرى بحجة الدفاع عن حقوقها أو حماية رعاياها، أو صيانة ديونها، أو رفع الاضطهاد عن الأقليات أو مناصرة الحكومة الشرعية في معاركها ضد الثوّار. في حين أن المجتمع الدولي من المفترض أنه يتكوّن من دول متساوية في الحقوق والواجبات، واحترام هذه المساواة والعمل بها يحتّمان على كل دولة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. فمنظمة الأمم المتحدة قامت على مبدأ المساواة في السيادة لكل الأعضاء، فمن خلال المادة الثانية، الفقرة الأولى لميثاق الأمم المتحدة نجد النص التالي:
«L`organisation est fondée sur le principe de l`égalité souveraine de tous ses Membres»
وهذا النص يستمد جذوره من مؤتمر صلح وستلفاليا عام 1648، الذي اتفق عليه في مؤتمر موسكو بين القوى العظمى الأربع بتاريخ 30/10/1943. والهدف من هذا النص أنّ الأمم المتحدة لا تتربع فوق الدول، وهي كما ذكرت محكمة العدل الدولية ليست سوبر دولة (Super Etat) إطلاقاً. وهكذا يجب أن تكون النظرة إلى مبدأ السيادة والمساواة بين الدول، ونحن في لبنان لا بدّ لنا من التمسّك بهذا المبدأ المكرّس في شرعة الأمم المتحدة، وفق ما قرّرته محكمة العدل الدولية، لأن الاستقلال أصبح من البديهيات بعدما أنهى المجتمع الدولي ما يعرف باستعمال الدول، وأقرّ حق الشعوب في تقرير مصيرها. وبالتالي، لا يمكن لأي دولة، لا ألمانيا ولا غيرها، أن تفرض إرادتها على غيرها من الدول المستقلة المنضوية ضمن مجموعة الأمم المتحدة. ولذلك رأى الفقيه الألماني ماكس ونزل: «أنّ السيادة المطلقة التي تتمتع بها الدول تحول دون إخضاعها لسلطة آمرة عليا مهما كان مصدرها». كما رأى الفقيه الألماني جورج جالينك: «أنّ الدولة ذات السيادة لا تستطيع أن تخضع لإرادة أسمى من إرادتها، لأنها بذلك تفقد اعتبارها وكيانها. والدولة التي تعيش في المجتمع الدولي، إذ تتقيّد بالقانون الدولي، لا تخضع في الواقع لأي إرادة أخرى سوى إراداتها».
ولو كان الأمر خلافاً لذلك، لما استطاع قضاؤنا اللبناني الرصين أن يحمي مواطني دولتنا وسائر المقيمين على أراضيها، من كل جور أو ظلم قد يهدّد حقوقهم الإنسانية. باختصار، نرفض أي ضغط أو إملاء من الممكن أن يمارس على قضائنا الوطني، وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تقهقر سلطاتنا الدستورية، وكل هجمة كاسحة على سيادتنا الوطنية، لأنها مخالفة للمبادئ الواردة في نصوصنا القانونية والتي هي نتاج ما آمن به كافة مكونات شعبنا الأبيٌ، من حفاظ على حقوق أفراده وحرياتهم وضماناتهم القانونية الإنسانية.