بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 حزيران 2022 07:12ص التغييريون في مواجهة أسئلة التشرينيين

حجم الخط

مرّ الشهر الأول على وصول النواب التغييريين إلى مجلس النواب في تكتل نيابي هو الأول من نوعه في تاريخ المجلس، في انعكاس لما أفرزته انتفاضة 17 تشرين 2019 التي كانت وليدة فشل المنظومة السياسية والإقتصادية الحاكمة وانعكاساً للمزاج الشعبي الساخط على السلطة.

بعد أن إستقر عدد هؤلاء النواب المُعلن على 13 نائباً، الرقم الذي كان مرشحاً للارتفاع أكثر بكثير مع قانون انتخابي أكثر عدالة، توجهت أنظار الجميع، أخصاماً ومناصرين، إلى أداء هؤلاء وباتوا تحت مجهر الإمتحان تلو الآخر في معارك يواجهون فيها عُتاة في الدهاء السياسي مكنت الأخيرين، إضافة الى العوامل الخارجية، من ترسيخ أقدامهم في لعبة التحاصص السياسي والمالي، ما ثبُت من جديد في الاستحقاقات التي تلت الانتخابات من اختيار رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب إضافة الى اللجان النيابية، والتي باتت نتائجها معروفة للجميع.

جاء النواب التغييريون، وهم ليسوا وحدهم إذ بين النواب المستقلين من يؤيدهم لا بل من شارك في 17 تشرين إلى جانبهم، إلى المجلس حالمين عبر رؤية يوتوبية تنقل نضالات الشارع إلى البرلمان من دون أن تتخلى عنها.

لكن العمل على الأرض ليس هو نفسه التعارك مع السلطة عبر الآلية التشريعية. هنا لا تكفي النزاهة وحدها في موازاة نقص الخبرة والخبث السياسي (بمعناه الإيجابي).

تجلى الإرباك أولاً في معارك الإنتخابات الداخلية في المجلس الجديد. وبعد أن أتوا رفضاً للنظام وللمنظومة، قبلوا، وطبعا على مضض، بآليات هذا النظام الطائفية وهم خاضوا معاركه الإنتخابية على أساسه، وإن كانوا رفضوا صوتياً بعضها (معارك هيئة المكتب).

هنا كانت أولى الإزدواجيات في المعايير التي كان من شأن واقعيتهم ووضوحهم في النضال من داخل اللعبة السياسية أن يجنبانهم إياها.

والحال أن ذلك يتبدى خاصة في مقاربة الموقف من السلطة. هم يرفضونها لكنهم تحالفوا مع بعضها. وبينما هم قاطعوها في الدقائق الأولى لجلسة انتخاب رئيس المجلس، سرعان ما اتخذوا استقطاباً غريباً في انتخاب نائب رئيس المجلس مفضلين مرشحاً مدعوماً من جزء من الطبقة السياسية التي يخاصمونها وهو غسان سكاف، على مرشح آخر اعتبروه مرشح "حزب الله" أي الياس بو صعب.

وللعلم فقد اتخذ النواب الـ 13 قرارهم هذا بعد تصويت داخلي مالت الكفة خلاله لصالح سكاف بصوت واحد ما ألزم الآخرين حسب اتفاق داخلي سابق بينهم. وقد عانى هؤلاء الإحراج نتيجة الانتقادات التي وُجهت لهم حتى من قبل جمهور واسع من التشرينيين فصُوروا وكأنهم أعضاء مُستترين في فريق 14 آذار مُشكلين رافعة له في معركة لا مصلحة لهم فيها، ما دفعهم إلى إعادة النظر بمسألة الالتزام بالتصويت الداخلي، من دون معرفة إذا كانوا سيستمرون بهذا القرار في استحقاقات مقبلة أقربها مرشحهم لرئاسة الحكومة حيث يريدون مرشحاً مستقلاً ويرفضون ترشيح أحدهم أو المشاركة في الحكومة على أساس معيار فصل النيابة عن الوزارة ويُصرون على حكومة غير سياسية.

وبعد تطويقهم من قبل الأقطاب السياسيين في اختيار اللجان النيابية حيث كانت حصة التغييريين متواضعة واعتمد بعضها على هؤلاء الأقطاب أنفسهم، بات التغييريون أمام تحدي الوضوح في الخيارات، ناهيك عن التمرس السياسي الذي يبدو أن الوقت سيكون كفيلاً به.

لكن وسط الاستحقاقات الداهمة، بات على هؤلاء أولاً حسم الإزدواجية لصالح البقاء خارج إصطفافات السلطة، مع قرار بممارسة اللعبة السياسية وحتى المشاركة في السلطة التنفيذية وهذا من حقهم وليس هناك ما يخجلون به.

وقبل ذلك بات ضرورياً القرار بصياغة برنامج إصلاحي واضح في السياسة والإقتصاد والقضاء على طريق الدولة المدنية التي نادوا بها قبل وصولهم الى الندوة البرلمانية.

إذ لا يكفي طرح الشعارات التغييرية مع افتقاد المشروع الوطني للإنقاذ. أي بمعنى آخر، تغليب الإيجابيّة على الرفضيّة مع رفع الصوت في سبيل قضايا مُلحة مثل الأموال المنهوبة والودائع، وطبعاً إصلاح النظام السياسي الكارثي عبر أُسس لا لُبس فيها مثل قانون جديد للانتخابات وطرح ما نص عليه اتفاق الطائف أصلاً من تشكيل للهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ثم النضال في سبيل محاولة تعديل الإقتصاد الريعي الحالي لصالح إقتصاد منتج يقوم على ثروات لبنان زراعياً وصناعياً وكسر الإحتكارات الطائفية المزمنة التي نهبت خزينة البلاد..

سيكون من الصعب ضرب النظام المالي والاقتصادي الحالي الذي يحمي الطبقة السياسية المُتوالدة باستمرار، لكن التعويل على 17 تشرين يتمثل دوماً في تشكيل اللّبِنَة الأولى على هذا الصعيد من روح جديدة وديناميكية لمحاولة تعديل موازين القوى ووضع حد لاستيلاد المنظومة السياسية لنفسها، في مسار طويل وشاق لكسر الإحتكار السياسي ولبناء الدولة القوية والعادلة.

على أن أداء التغييريين لم يخلُ من لمسات إيجابية بدت في النهج الجديد في التعاطي داخل المجلس، كما تجلّت سريعاً في الحراك السجالي في أولى المعارك عند فرض تلاوة رئيس المجلس للأسماء الواردة في أوراق تصويتهم على رئاسة المجلس، وهو ما لم يكن سائداً سابقاً.

كما كانت لافتة للنظر معركتهم الكبرى اليوم في قضية تعديل المرسوم 6433 ورفعهم الصوت عالياً ومُضيّهم في هذه القضية.. مع ملاحظة تسجيل غياب معظمهم عن اعتصام الناقورة السبت الماضي نتيجة "ظروف" على حد تعبير أحد المشاركين من بينهم في الإعتصام..

يجب ألا ننسى أن هؤلاء التغييريين ليسوا من خلفية سياسية وعقائدية واحدة، وثمة من انتقد شخصانية طبعت أسلوب بعضهم، ما يضعهم أمام محك الإبقاء على وحدة خياراتهم، علماً بأنهم تقصدوا عدم تشكيل كتلة نيابية واحدة، بل انضووا ضمن تكتل يحفظ تنوعهم لا بل تبايناتهم في السياسة والاقتصاد.

وبينما يُخشى من عدم تعمير التكتل الذي يجمعهم طويلاً، يبدو ملحاً توسيع هؤلاء لتكتلهم ليشمل من يشبههم في المجلس الجديد من مستقلين، كما صياغة تحالفات "على القطعة" مع آخرين مع الحفاظ على المبادىء التي انتخبتهم شرائحهم الشعبية لأجلها.

بالتزامن مع كل ذلك باتت إجابات التغييريين على أسئلة جمهور 17 تشرين في البرنامج والوحدة والرؤية السياسية الإستقلالية، مطلوبة في هذه الفترة الإستهلالية لعملهم النيابي ذلك أن التفويض الشعبي لهم من قبل شرائح الانتفاضة الشعبية ليس من دون مساءلة.. وقد يعود الشارع إلى الإشتعال في أية لحظة.