بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 كانون الثاني 2020 08:20ص الرئيس المكلف ليس «باش كاتب» ورحلة التأليف تنتهي بالمثول أمام النواب

«اختيار رئيس الحكومة ليس تفويضاً يمكن سحبه ولا تعييناً يمكن العودة عنه»

حجم الخط

  • «لا يمكن وقف السياق الدستوري للتأليف باقتراحات تعطي للنواب حق التدخل فيه أو تقديم عرائض، أو تفويض رئيس الجمهورية الرجوع عن التكليف، لأن ذلك يخرج عن نصوص الدستور ويخل بمبدأ الفصل بين السلطات»


سريعاً، وكما كان متوقعاً، وقع الخلاف بين الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة حسان دياب، وبين الفريق الذي كلّفه، التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي حول شكل الحكومة وتركيبتها. حتى الآن يبدو تمسك دياب بحكومة اختصاصيين مستقلين سبباً للانقلاب عليه، فيما يرى فريق التكليف، بحسب مواقفه المعلنة، أن المرحلة تتطلب حكومة تكنو- سياسية أو سياسية لزوم مواكبة الأوضاع المستجدة على الساحة الإقليمية بعد مقتل القيادي في الحرس الثوري قاسم سليماني، وليس مثلاً لزوم مواكبة الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية والحياتية الخانقة التي تضرب البلاد! 

بكل الأحوال، لجأ فريق العهد للتعبير عن هذا الغضب بالتلويح بإمكانية سحب التكليف من دياب، تماماً كما حصل خلال تأليف الرئيس سعد الحريري حكومته المستقيلة، وقد يكون هذا الموقف من باب التهويل لدفع الرئيس المكلّف للاعتذار في وقت يبدو هو مصرّا على المضيّ بمهمته إلى حين تقديم تشكيلته لرئيس الجمهورية وبعدها ليكن ما يكون. وإذا كان لا يخفى أن عملية التكليف بحدّ ذاتها شابتها تجاوزات لاعتبارات دستورية وميثاقية ووطنية، فإن إعادة التلويح بسحب التكليف عند كل تباين سياسي مع الرئيس المكلف يقتضي التوقف عنده، فماذا يقول الدستور عن هذا الأمر؟

مراحل التشكيل الأربعة

بحسب مرجع دستوري مخضرم يمرّ تشكيل الحكومة بأربعة مراحل تتكامل وتترابط بين بعضها البعض وتسير متسقة في سياق واحد، لا انقطاع فيها ولا يمكن تجزئتها، تلعب كل سلطة من السلطات الدستورية خلالها دورها الكامل، وفقاً لأحكام الدستور، وتطبيقاً لمبادئ النظام البرلماني، في مناخ من التعاون والاحترام المتبادل، تبدأ بالاستشارات النيابية الملزمة، وتنتهي بثقة مجلس النواب. 

المرحلة الاولى، الاستشارات النيابية الملزمة: فبحسب المادة 53 من الدستور (البند 2) «يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها». وفي هذه المرحلة تنتهي مهمة النواب بإبداء آرائهم وخياراتهم، وتسمية رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف، التزاماً بإرادة الأكثرية من أعضاء مجلس النواب، لكي تبدأ المرحلة الثانية بقيام رئيس الحكومة المكلّف بتشكيل الحكومة.

المرحلة الثانية، وضع مشروع تشكيل الحكومة: فبحسب المادة 64 من الدستور (البند 2) يجري رئيس مجلس الوزراء (رئيس الحكومة المكلّف) الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وبحسب المرجع «في هذه المرحلة يبدأ دور الرئيس المكلّف، فيتواصل مع الكتل النيابية ويتداول معها، ويطلع على آرائها ويستمع الى مطالبها، دون أن يكون مقيداً بتفاصيلها نظراً لتعارضها وتضاربها، كذلك يبقى على تواصل مع رئيس الجمهورية، فيطلعه على أجواء الاستشارات ومطالب الكتل النيابية، والصعوبات التي يواجهها، لأن تشكيل الحكومة يتم في نهاية الأمر، بالتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وعندما ينتهي الرئيس المكلّف من استشاراته النيابية، يخلو الى نفسه، ويضع، باعتباره رئيساً للحكومة ومسؤولاً عن أعمالها أمام مجلس النواب، تصوراً لتشكيل الحكومة، بما يؤمن الخروج بحكومة منسجمة ومتضامنة وذات فعالية وقادرة على أن تنال ثقة مجلس النواب، ويقترح على رئيس الجمهورية التشكيلة لكي يصدر رئيس الجمهورية، بالاتفاق معه مرسوم تشكيلها». 

هذا الدور الأساسي الذي يضطلع به رئيس الحكومة، يستمده من النصوص والمبادئ الدستورية التالية: أولاً: الثقة التي منحته إياها الأكثرية النيابية بناءً على الاستشارات الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية (م53 من الدستور)، وثانياً: مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، لأن مبادئ النظام البرلماني التي يقوم عليها النظام السياسي في لبنان تفرض لقيام الحكومة وبقائها، حيازة ثقة مجلس النواب واستمرار هذه الثقة (المادة 64 والمادة 66 من الدستور) .

ويؤكد المرجع أن «رئيس الحكومة المكلّف، وان كان يأخذ بعين الاعتبار حصيلة الاستشارات التي يجريها مع الكتل النيابية، المؤيدة والمعارضة، بما يضمن تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان، ولا سيما الأكثرية فيه، باعتباره الزعيم المفترض للأكثرية النيابية، إلا أن ذلك لا يعني بالمقابل أنه يصبح ملزماً ومقيداً بطلبات هذه الكتل، لأن دوره كمسؤول عن سياسة الحكومة أمام البرلمان، أن يوازن بين المطالب المختلفة، وأن يوفّق في ما بينها، وأن يؤمّن الانسجام والتضامن الوزاري الذي يشكل الأرضية الصالحة لنجاح الحكومة في مهمتها، وإلا لن يستطيع تشكيلها، لا سيما وأن الدستور أناط برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أمر تشكيل الحكومة ولم يلزمهما بقيود وشروط معينة، وترك حرية واسعة لمجلس النواب بأن يمنحها ثقته أو يمنعها عنها، بما يتوافق مع طبيعة ومبادئ النظام البرلماني القائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها وتوازنها».

لكن هل من مهلة للرئيس المكلّف للتشكيل؟ وما مقدار هذه المهلة، وما هي النتائج التي تترتب على انتهائها أو تجاوزها دون التوصل الى تشكيل الحكومة؟ 

هنا يؤكد المرجع أن «ما من خلاف على أن الدستور لم يحدد مهلة لرئيس الحكومة المكلّف لتشكيل الحكومة، وهذا شأن معظم الدساتير في العالم». وهذا، بحسب المرجع الدستوري، يعني: 

في الاصل لا يوجد مهلة لتشكيل الحكومة، ولم يحدد الدستور مهلة، لأن المبدأ الذي يحكم تشكيل الحكومات، وكذلك انتخاب رئيس الجمهورية، هو وجوب تشكيلها دون تأخير وبأسرع وقت ممكن، وهذا يفترض توفير المناخات الملائمة التي تساهم إيجابياً في تسريع تشكيل الحكومة، حفاظاً على النظام العام، واستمرار عمل المؤسسات الدستورية.

لا مهلة للرئيس المكلّف، وذلك لكي ينصرف الى تشكيل الحكومة محرراً من عامل الوقت ومن الضغوط وفقاً للمعطيات التي تتكون لديه من خلال الاستشارات النيابية، وبما يؤمن تشكيل حكومة منسجمة وفاعلة وقادرة وتحظى بثقة البرلمان والرأي العام.

إن تحديد مهلة للرئيس المكلّف، طالت أو قصرت، من شأنها أن تجعله أسير المطالب النيابية وتحت ضغط هذه المطالب، بحيث تستعمل من قبل الكتل النيابية للضغط عليه للاستجابة لمطالبها، حتى إذا لم يفعل تعمل هذه الكتل على وضع الصعوبات والعراقيل أمامه، فتنتهي مهلة التشكيل دون أن يتمكن من ذلك ويرغم على الاعتذار، أو تدخل البلاد في أزمة سياسية، فتتحول المهلة الى حالة إكراه وضغط.

اعتبر الاجتهاد الاداري، أن هناك مهلة معقولة للجهة المخوّلة القيام بعمل ما عندما لا يحدد النص مهلة، وهذه المهلة ليست واحدة فتختلف بحسب طبيعة العمل المطلوب وصعوباته ودقته والظروف المحيطة به، ويبقى للرئيس المكلّف، وليس لأي جهة أخرى، التعامل معها والتقرير في شأنها، اعتذاراً أو استمراراً، بما يملك من معطيات، ومن حس بالمسؤولية وحرص على المصلحة العامة، في ضوء الظروف والأوضاع، إذ بعد التكليف وتسمية رئيس الحكومة، لا سلطة ولا صلاحية، لأية جهة، بسحب التكليف او وضع حد له، فاختيار رئيس الحكومة من قبل النواب، ليس تفويضاً يمكن سحبه، وليس تعييناً يمكن العودة عنه، بل هو تكليف بمهمة تنتهي بانتهاء تسمية الرئيس المكلف، لانه جاء استناداً الى أحكام الدستور، ولأنه في ظل العراقيل والشروط التعجيزية التي يواجه بها الرئيس المكلّف، لا يعود بالامكان الاعتداد بمهلة معقولة، وتفقد المهلة المعقولة معناها وغايتها».

المرحلة الثالثة: تنص المادة 53 من الدستور (البند 4) على أن يصدر رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول إستقالة الوزراء او إقالتهم. «وهذا التشارك او التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وإن كان يأخذ بعين الإعتبار مطالب القوى السياسية، إلا انه لا يعني أن هذه القوى تستطيع أن تفرض إرادتها على الرئيسين في الصيغة التي يعتمدانها في تشكيل الحكومة، سواء في تسمية وزرائها أو اختيار الوزارات التي تشاء أو عدد الوزراء، أو تمنع تشكيل الحكومة أو تنتزع من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حقهما الدستوري في تشكيل الحكومة، وإلا أصبحنا في نظام مجلسي، وليس في نظام برلماني، اذ ماذا يبقى لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة من صلاحية أو دور في تشكيل الحكومة عندما تحدد الاحزاب والقوى والكتل النيابية بنفسها حجم تمثيلها في الوزارة، واسماء الوزراء ونوعية الوزارات التي تقبل بها، وكيف يمكن لرئيس الحكومة أن يجمع الاضداد في حكومة واحدة، يتقاتل أعضاؤها على الحصص والحقائب، فئات ودرجات، منها السيادية ومنها الخدماتية، ومن ثم يعود ليتولى ادارة الشأن العام، دون أن يكون له أيّ دور في تشكيل الحكومة، في الوقت الذي يحمِّله الدستور مسؤولية سياسة الحكومة أمام البرلمان والرأي العام، بحيث يتحول دوره الى مجرد مفاوض أو وسيط بين الوزراء لكي يؤمن بقاء الحكومة أو استمرارها؟»، بحسب قباني. 

على أن يبقى لمجلس النواب الكلمة الأخيرة في منح الثقة للحكومة أو حجبها عنها، وبالتالي تقرير مصيرها. ويشدد المرجع على أن «النص الدستوري الذي عهد الى كل من رئيس الجمورية ورئيس الحكومة تشكيل الحكومة بالاتفاق، وفقاً للدور المناط بكل منهما، قد أوجب عليهما التعاون في إنجاز هذه المهمة الدستورية، وأن يلعب رئيس الجمهورية دور المؤازر والداعم والمسهل لمهمة رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة، وأهم من ذلك كله، أن لا يكون فريقاً في الصراع السياسي الذي يحتدم بين القوى والكتل السياسية، لأن الدستور أناط به أن يلعب دور المرجع والحكم في هذا الصراع، وأن يكون صمام أمان للنظام. وقد وضع دستور الطائف رئيس الجمهورية في مقام سامِ، بما يتناسب مع موقعه ودوره، وضعه فوق الطوائف والصراعات السياسية والحزبية، بحيث يكون عنواناً جامعاً للبلاد، ورمزاً لوحدة الوطن واستمرارية الدولة، والتجارب التاريخية تدل على أنه في كل مرة تصرف فيها رئيس الجمهورية كفريق في الصراع السياسي، أو وضعته الظروف أو الأحداث أو أريد له أن يكون في هذا الموقع، كانت النتيجة فقدانه المرجعية فضلاً عن الدور، وتفجر الأوضاع في البلاد، وإغراقها في الفتنة وفي حمأة نزاعات طائفية وحروب أهلية مدمرة».

هل يجوز سحب التكليف؟

كل ما سبق يفرض أسئلة ملحّة مثل: هل يجوز نزع الثقة التي أعطيت للرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة وفقاً للإستشارات النيابية؟ وما الحل اذا لم يتمكن كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من الاتفاق على تشكيل الحكومة؟

عن السؤال الأول، يؤكد المرجع «لقد حدد الدستور في المادة 53 منه دور أعضاء مجلس النواب بإعطاء رئيس الجمهورية رأيهم الملزم بشأن الشخصية التي يختارونها لتشكيل الحكومة. وهذا يعني أن دورهم هو دور استشاري ملزم ينتهي بانتهاء التكليف، وهو حقّ دستوري فردي لكل نائب، ولا يستند الى إختيار كتلة دستورية، متراصة ثابتة ودائمة، وذات كيان مستقل وقائم، تستطيع الطلب الى رئيس الجمهورية، إعفاء رئيس الحكومة من مهمة تشكيل الحكومة، أو توقيع عريضة من أكثرية مجلس النواب تطلب من رئيس الجمهورية سحب هذه الثقة، لأن ذلك لا سند له في الدستور، ويشكّل إختراقاً للسياق الدستوري لتشكيل الحكومة، يخالف الأصول التي وضعها الدستور لتشكيل الحكومة، ويتعارض مع دور رئيس الجمهورية الذي جعله الدستور شريكاً في تشكيل الحكومة».

عن السؤال الثاني، يرى المرجع الدستوري أن «الحل هو في استكمال المسار الذي حدده الدستور لتشكيل الحكومة، كما هو مبين في المرحلة الرابعة، وهي: منح مجلس النواب الثقة للحكومة العتيدة، فقد نصت الماددة 64 (البند 2) من الدستور، في ما خص صلاحيات رئيس مجلس الوزراء: «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة ان تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحيتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال». 

ينتهي إذن، مسار تشكيل الحكومة، وفقاً للسياق المتكامل والمتتابع في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة مثول الحكومة أمام مجلس النواب لنيل الثقة، وبعد ان تتقدم ببيانها الوزاري، وذلك في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ووفقاً لأحكام الدستور، وتطبيقاً لمبادئ النظام البرلماني، تبدأ مراحل تشكيل الحكومة مع مجلس النواب، عبر الاستشارات النيابية الملزمة، وتنتهي عند مجلس النواب، لنيل الثقة، وهذا هو الامر الطبيعي في نظام ديمقراطي برلماني، تعمل الحكومة بموجبه، استناداً الى ثقة مجلس النواب، وتسقط بعدم إعطائها الثقة أو بسحب الثقة منها، وفقاً للأصول المعتمدة في الدستور.

ووفق المرجع «هذا السياق الدستوري لا يمكن وقفه او قطعه، باقتراحات حلول تعطي لمجلس النواب أو لأعضائه حق التدخل في هذا السياق الدستوري، او تقديم عرائض، او تفويض رئيس الجمهورية الرجوع عن التكليف، لأن ذلك يخرج عن نصوص الدستور، ويخل بمبدأ الفصل بين السلطات، ويلغي كما ويعطل صلاحية او مشاركة كل سلطة من السلطات، الدستورية في تشكيل الحكومة، في حدود دور كل منها، وهذا يعني ان على رئيس الحكومة المكلف، أن يمضي قدماً في شأن تشكيل الحكومة، بالتعاون والتفاهم والاتفاق مع رئيس الجمهورية، وان يبذلا معاّ كل جهد مستطاع لتشكيل الحكومة واخراج البلاد الى النور، وتحمل مسؤولياتهما الدستورية، وهما قادرين على ذلك، وتشاركهما في هذه المسؤولية القوى والكتل السياسية والنيابية التي يتوجب عليها تسهيل مهمة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وعدم ادخال البلاد في ازمة سياسية ودستورية خطيرة».

الدستور بأمانة من يطبقه

ما تقدم كلام في نصّ الدستور وروحه، لكن الحاصل أن الأمور تدار في لبنان وفق ذهنية المحاصصة، والخطاب الشعبوي، والدستور في كل ذلك، مجرد وجهة نظر يجري تطويعه تارة هنا وتارة هناك بحسب المصالح والتحالفات والكيديات، والأخطر أن هناك من يريد إرجاع عقارب الزمن إلى الوراء وتسويق أمر واقع مفاده أن النظام اللبناني بات نظاماً رئاسياً أو نظاماً مجلسياً، وأن رئيس مجلس الوزراء مجرد «باش كاتب» عند هذا الفريق أو ذاك، مع ما تعنيه هذه الهرطقات من مخاطر لبنان بغنى عنها. 

بجرأة تبلغ حدّ الاستغراب، تملأ أطراف سياسية الفضاء بالحديث حول «الدستور» والحرص عليه، وكأننا نعيش في دولة مستقرة وديموقراطية وحكم رشيد تلتزم فيها الأحزاب والمكونات نصوص الدستور بشفافية واحترام، ولسنا في بلد مفلس وجائع وعلى مشارف الانهيار. للمرة الألف، الدستور بمن يطبقه لا بمن يختبيء خلفه، ولا يجوز استخدامه في الصراعات السياسية، إذ «ليس للقانون الدستوري أي ضابط سوى حسن نية وأمانة الرجال الذين يطبقونه»، كما يقول العلامة الفرنسي ليون دوغي، وما سوى ذلك أضغاثُ أحلامٍ وكلامٌ بكلام.