بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 شباط 2022 12:02ص العولمة وتأثيرها على المجتمع المدني!!

حجم الخط
رغم أننا نعيش في عصرٍ انتشر فيه العلم وأصبح الحصول عليه سهلٌ وإختياري حسب إرادة طالب العلم والثقافة، إلا أنه يبقى الكثير من المصطلحات والمفاهيم الإنسانية التي تأخذ شكلاً مطاطياً وغير واضحة المعالم والتفسير مثل العلمانية والمدنية والديمقراطية وغيرها، فإن المجتمع المدني هو أحد القضايا الشائكة في عصرنا الحالي التي لا يمكن حصرها في تعريفٍ واحد، هذا التعريف أو المصطلح له سياقٌ تاريخيٌ طويل في الظهور في الشأن الإنساني الذي لا يقتصر على السياسة والقضايا المجتمعية، فلقد كان بداية ظهوره في الدولة الرومانية ثم أختفى حتى عاد ظهوره في القرنين السابع والثامن عشر في أوروبا تحديداً في ظل ظهور نظرية العقد الإجتماعي وهي نظرية تبلورت مع هوبس ولوك وجون جاك روسو، ولكنها لم تقف عند هذه المدرسة حيث تكلم عنها مؤسس المدرسة الشيوعية ماركس من خلال شرح البنى التحتية والفوقية في توصيفه للصراع الطبقي الأزلي الذي يسبق تكوين الدولة التي في نظريته السياسية هي شرٌ للإنسانية لدعم الطبقة البرجوازية. ولكن لن أخوض أكثر في شرح سياقها التاريخي، ولكن نستطيع أن نصفه أنه ليس وحدة متراصّة أو متناغمة إنما بوتقة من الشرائح والمكونات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تلعب دوراً أساسياً في الحياة الديمقراطية التي تبنّتها معاهدة حقوق الإنسان من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، فإن دوره يصبّ في حماية الديمقراطية وفلسفتها وتحقيق دولة الرفاه عندما تقصّر الدولة في أداء واجباتها تجاه المواطن والمجتمع. فهو حارس الحريات ومؤسساتها الديمقراطية ومدنية الدولة وفصل السلطات الثلاث.

نعيش اليوم في لبنان واقعٌ أليم لسنا بحاجة لتوصيفه بكل معطياته الثلاثية «الإجتماعية، السياسية والإقتصادية»، ولكن أصبح الطلاق سيد الموقف بين المنظومة الحاكمة والشعب، خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين، هنا استفاد المجتمع المدني أن يلعب دوراً عبر تأجيج الناس تجاه السلطة الحالية وإطلاق خطاباتٍ سياسية متفاوتة ومتعددة بسبب عدم أحادية رؤيته السياسية تجاه قضايا مختلفة، ولكنه تحوّل الخطاب مع الوقت إلى نوعٍ من الإيديولوجيا الفكرية لمواجهة إجرام السلطة وخطابها الطائفي الذي يستعطف الناس عند الحاجة واللزوم، تلك الإيديولوجيا تتأثّر بالعولمة الثقافية التي حوّلت ذلك المجتمع المدني من مجتمعٍ محلي إلى مجتمعٍ مدنيٍ عالمي بفرعه اللبناني، لا شك أن العولمة التي حوّلت العالم إلى قريةٍ صغيرة لها الكثير من الإيجابيات ولكن في ظل إندثار للقيمة الإنسانية والأخلاقية، لقد أصبح خطرها مرعب ومدمّر وأحد إنعكاساتها هي طروحات المجتمع المدني في علمية الإصلاح، طبعاً لا نستطيع أن نعمّم ذلك على كل مكونات المجتمع ولكن الظاهر العام ومن يتصدّرون المشهد يرفعون شعارات العلمنة المطلقة والشمولية والنسوية والشذوذ كطروحاتٍ لإلغاء الطائفية التي هي سلاح السلطة ومنظومتها الحاكمة، وكل تلك الشعارات هي شعاراتٍ معلّبة نتيجة العولمة وإرتباط المجتمع المحلي بالمجتمع المدني العالمي، من هذا المنطلق لقد تحوّل المجتمع المدني من دوره الحامي للمجتمع ثقافياً وقيمياً إلى خطرٍ داهم يؤدي إلى تفكك المجتمع وضرب مؤسسته الأم وهي العائلة.

إذا كانت المنظومة الحاكمة مدعومة من القوى الخارجية والدولية فإن شعارات المجتمع المدني من ليبرالية متفلّتة وضرب خصوصيات الطوائف ومحاربة القيم الإنسانية والفطرة السليمة هي منتوجاتٍ مدعومة خارجياً لا تشبه ثقافاتنا الشرقية والتي بطبيعتها محافظة في جميع الاتجاهات الأدبية والقيمية والدينية والتراثية. لا بد من إطلاق مجتمع مدني محافظ وسطي يقوم على محاربة الفساد بكل مكوناته المالية والفكرية وغيره.