بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آذار 2021 12:02ص بلدية طرابلس: يمق بين إستعادة وحدة المجلس أو إستقالة تمنع سيطرة المحافظ

حجم الخط
كأنّ طرابلس مصابة بلعنة شَلِّ مرافقها العامة وتعطيل مؤسساتها، وخاصة البلدية، فلا تكاد تستقرّ على حال بسبب عدم استقرار مجلسها البلدي وتواصل النزاعات بين رؤسائه وأعضائه المتعاقبين حتى غدت الخلافات المتوالدة من الصفات الملازمة لبلدية العاصمة الثانية للبنان. واليوم باتت التحديات والحاجة إلى إستعادة العافية البلدية أكبر من أي وقت مضى، بعد أن دخل البلد حالة الانهيار.

بدأت رحلة النزاعات المعطِّلة مع انتخاب الدكتور نادر الغزال رئيساً للمجلس البلدي في حزيران من العام 2010 بدعم وشبه إجماع سياسي، ثم اضطراره للاستقالة في شهر نيسان عام 2015 وما تلا تلك الاستقالة من انتخاب المهندس عامر الطيب الرافعي رئيساً في 30 نيسان 2015، ليأتي بعد ذلك المهندس أحمد قمر الدين رئيساً على رأس اللائحة التي دعمها الوزير السابق أشرف ريفي، ثم اضطرّ لسحب دعمه لها بسبب الخلافات العنيفة التي ضربت المجلس.

إستقال قمر الدين ليأتي الدكتور رياض اليمق إلى رئاسة المجلس البلدي، واستبشر أبناء طرابلس بانتهاء النزاعات واستقرار المجلس، لكن الفرحة لم تتمّ، فعادت الخلافات لتضرب من جديد، وبرزت الاتهامات ليمق بالتقصير والفشل في إدارة الشأن البلدي والمحاباة والانزلاق إلى استرضاء «مفاتيح الأحياء» لوجود طموحات نيابية لديه، وبلغت الإشكالات ذروتها بعد واقعة إحراق مبنى البلدية واتهام رئيسها بالتقصير في حمايتها، خاصة بوجود 300 عنصر من الحرس البلدي في ملاك التوظيف.

ولا شكّ أنّ إحراق البلدية شكلّ ضربة قاصمة لطرابلس، معنوياً وعملياً، ومن المنطقي التساؤل عن سبب ومبرِّر غياب الحرس البلدي عن بلديته في حالة الاضطراب الشديد التي سادت المدينة ليلة 29-1-2021 وعلم الجميع بأنّ هناك مجموعات منفلتة تعيث خراباً في الشوارع وتعتدي على السرايا، ورغم ذلك لم يتخذ الرئيس يمق أيّ احتياط لحماية البلدية.

ثمّة من قال إن يمق اتصل بمحافظ الشمال رمزي نهرا وطلب منه الإذن بحماية المبنى البلدي وأنّ المحافظ (العوني - الباسيلي)، منعه من نشر الحرس، وبالتالي وقعت الواقعة. لكنّ هذه الرواية لا تكفي لتبرير رفع المسؤولية، لأنّ إحراق المحكمة الشرعية أمام أعين القوى الأمنية، كان ينبغي أن يعطي الإشارة الكافية لاستنفار الحرس البلدي واستدعائهم للذود عن مركز مدينتهم، وإلاّ ما الجدوى من وجود هذا الحرس سوى الفائدة التوظيفية لأفراده، لأنّ إحراق المبنى البلدي يعتبر وصمة سوداء في جبين كل المسؤولين من المحافظ إلى الرئيس وصولاً إلى الحرس.

لكنّ المسألة لا تتعلّق بجريمة إحراق البلدية فقط. فالخلافات الناشبة بين الرئيس وعدد من الأعضاء سبقت وقوع هذه الكارثة على خلفية طريقة إدارة يمق لشؤون البلدية وعدم قدرته على تنظيم الأولويات وإطلاق عمل اللجان وتفرّده بالقرارات، وهذا أدّى إلى فقدان المجلس لوحدته عند وقوع الإساءة من المحافظ نهرا للرئيس يمق، عندما حاول احتجازه ومصادرة هاتفه، بعد قيامه بتصوير محضر التحقيق معه في جريمة إحراق البلدية خشية التزوير.

كان المشهد قبيحاً منذ البداية. فقيام محافظ موتور، سبق أن ضرب رئيس مكتب الوكالة الوطنية للإعلام بالعصا، بالتحقيق في جريمة هو المسؤول الأول عن وقوعها، بسبب تخاذله وتضييعه لوظيفة القوى الأمنية التي يترأسها، كان يجب أن يخضع هو للتحقيق، لا أن يكون المحقِّق في تلك الجريمة.

لكن بعيداً عن كلّ هذه التشعبات، نعود إلى أزمة المجلس البلدي. الواضح أن أداء الدكتور يمق لم يكن على مستوى المسؤولية المنتظرة منه، وهذا أدّى إلى استيقاظ أحلام الرئاسة المزمنة لدى عدد من الأعضاء، وهذا ما فاقم الأمور وزادها سوءاً.

فالرئيس يمق مُطالَب بتغيير سريع في إدارته للشأن البلدي، والعمل على إشراك المجلس في القرارات، وتفعيل اللجان وإعادة التواصل مع الأعضاء والحرص على عدم التفرّد، خاصة في المجالات التي تثير الشبهات، مثل توزيع المساعدات التركية، الجارية حالياً حيث اكتفى الرئيس بالاتصال ببعض الأعضاء طالباً منهم تزويده ببعض الأسماء لإدراجها ضمن قائمة العائلات المستحقة، الأمر الذي أثار احتجاجات لدى شرائح تعتبر أنّ الرئيس يمق يصرف المساعدات لمن يسمون مفاتيح انتخابية في الأحياء ولا يوصلها للمحتاجين.

طرح عدد من الأعضاء تقديم استقالاتهم وصولاً إلى فرط المجلس البلدي، وهذا حمل مخاطر كبيرة، لأنها ستُسقط بلدية المدينة بيد المحافظ نهرا، الذي ينفذ انقلاباً في اتحاد بلديات الفيحاء، هدفه ضرب وحدة طرابلس والميناء والبداوي والقلمون، من خلال إخراج طرابلس من رئاسة الاتحاد المخصصة عرفاً للمدينة.

يسيطر نهرا على بلدية الميناء بعد استقالة أغلبية أعضائها، إضافة إلى الولاء المطلق لرئيس بلدية البداوي حسن غمراوي الذي وصل بالتحايل والتواطؤ مع نهرا إلى رئاسة اتحاد بلديات الفيحاء، وهذا سيجعل من انفراط عقد مجلس بلدية طرابلس، خدمة مجانية لنهرا ومن يقف وراءه في السياسة.

ليس لدى الأعضاء وقت لمحاولات الحلول محل الرئيس، لأنّ الأعضاء يتحمّلون الشطر الآخر من المسؤولية فيما آلت إليه الأمور، وهناك من يتخوّف من تكرار الصراع إذا استقال يمق، فضلاً عن وقوع بعضهم في حسابات خاطئة مع المحافظ.

وليس لدى الرئيس يمق ترف الوقت، ولا يملك خيارات كثيرة، فهو مطالب بالمسارعة إلى تغيير أسلوب إدارته البلدية وإعادة استقطاب الأعضاء، للتفرغ للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة شديدة الصعوبة على المستوى الاجتماعي والمعيشي، وإذا وجد نفسه غير قادر على حفظ وحدة المجلس، فليس أمامه سوى الاستقالة الطوعية وإعادة الكرة إلى المجلس ليتفق على رئيس جديد.