بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيار 2021 12:01ص «بهالبلد كل شي بيصير»... وآخ يا بلدنا!

حجم الخط
انهما مدرستان مختلفتان بكل ما للكلمة من معنى، عنيت بالأولى مدرسة الرحابنة وطبعاً معهم السيدة فيروز، الذين استبقوا الزمن والتاريخ والأحداث وكتبوا كلمات قصائدهم ومسرحياتهم والأغاني بأحرف من ذهب منذ تلك الأيام الغابرة والزمن المضيء وكأني بهم قد تعمدوا محاكاة المستقبل والتاريخ في آن معاً، وما نعيشه اليوم في لبنان من تراكمات وأزمات أجتماعية واقتصادية ومالية توحي بأن كل من عاصي ومنصور والياس وسفيرتنا الى النجوم قد تنبأوا باكراً بما سيحدث في هذا البلد، فكتبوا ولحنوا وانشّدوا وغنّوا قصائدهم وكلماتهم تحت هياكل بعلبك حتى كادت اعمدة جوبيتر ترقص طرباً وفرحاً بما تسمع من ابداعات تلك المدرسة التي لا نغالي ان وصفناها بأسطورة العصر والتاريخ.

اما المدرسة الثانية التي لا تقل عن الأولى اهمية والتي تختلف بالشكل انما تلتقي معها بالمضمون قصدت بها مدرسة الفنان الراحل القدير حسن علاء الدين «شوشو» الذي بدوره عانى ما عاناه خلال مسيرته الفنية الطويلة من مشاكل مادية وصحية واجتماعية الا انه رغم كل تلك الصعوبات ابى الا ان يستخدم مسرحه الخاص اي ما كان يعرف آنذاك «بمسرح شوشو» لكي يطلق من على منصته وخشبته صرخات الوجع والألم التي كانت تصيب الوطن الواحدة تلو الاخرى في حينه مع رؤية ثاقبة وتوقع موضوعي مجرد يرتبط بشدة بحس شوشو الوطني الصادق والمرهف بما سيعانيه لبنان على مدى سنوات وسنوات وها نحن اليوم نعيش تلك اللحظة ونتحسر بحزن وألم على واقع وطننا الحبيب لبنان حيث تكاد تصم آذاننا صرخات شوشو وكلماته المدوية «شحاذين يا بلدنا» ويسبق ذلك عنوان عريض يتلخص بـ«آخ يا بلدنا». 

اما لماذا نركز في هذه المقالة على كل من مدرسة الرحابنة وفيروز، كما مدرسة شوشو، بالتحديد لا لشيء انما للتأكيد بأن التاريخ يعيد نفسه وبأن الزمن لا يتوقف عند حدود، وبأن العباقرة الكبار يرسمون بمخيلتهم وافكارهم وعقولهم والقلوب رؤى واضحة وضوح الشمس عن آفاق المستقبل ويسابقون الوقت والزمن علّهم يضعون «الأصبع على الجرح» باكراً لكي يدقوا جرس الإنذار قبل فوات الأوان ربما يصل الصوت وينساب الى العقول والنفوس لكي تسمى الأشياء بأسمائها دون خوف او وجل ودون تردد او ارتباك.

نعم قالها الرحابنة يوماً «بهالبلد كل شي بيصير» على انغام موسيقى ابدعت وحلقت عالياً فيما «الدبكة البعلبكية «كانت تتناغم مع صوت الفنان الراحل وليام حصواني ناهيك بملاحم الرحابنة الفنية الأخرى وقصائدهم واغانيهم ومسرحياتهم التي تكاد تعد ولا تحصى. والتي لا مجال لتعدادها الآن انما هي بحد ذاتها ترسم المشهد المميز جلياً ماضياً وحاضراً ومستقبلاّ ايضا لأن كل الوقائع في تلك الحقبة المشرقة قد اثبتت واكدت ان كل كلمة اطلقت في حينه تصح لكي تكون عنواناً رئيسياً في كل الكتب والموسوعات يتوارثها اللبنانيون والعالم وتدرس جيل بعد جيل.

وماذا بعد... تهريب، رمان، كبتاغون، مكتف، اغنام مدعومة مهربة الى الخارج، اموال منهوبة، ودائع مسروقة ومحتجزة في المصارف، سياسيون وحكام ومصرفيون فاسدون و«طلعت ريحتهم « وكل ذلك يتزامن مع «قضاء لبنان وقدره» اما النكبة الكبرى لكي يكتمل المشهد المأساوي في وطن الأرز لبنان، غزو جحافل الجراد من كل حدب وصوب ربما لأنها اشتاقت الى انسبائها واقاربها من «فصيلة البشر» لكي تطلع منهم عن كثب عما اذا كانوا قد تركوا لها شيئاً من خيرات هذا البلد وثرواته وامواله ونعم الله عليه، لتفاجأ بصدمة ما بعدها صدمة بأنهم سبقوها واكلوا الأخضر واليابس ولم يتركوا للجراد القادم من وراء الحدود الا الفتات الفتات كما اعداد من اكواز الرمان الملغومة بحبوب الكبتاغون ربما لإلهاء جحافل الجراد الصفراء والمتعددة الألوان بقشور وحبيبات الرمان قبل ان تضع بيضها وتتكاثر بالآلاف لا بل بالملايين وحينها قد لا ينفع ندم المسؤولون والسياسيون والمصرفيون الفاسدون لأن تلك الجحافل لن تبقي ولن تذر مما تبقى من خيرات هذا البلد الغريب العجيب بأسراره والغازه وتكوينه واطلاع ناسه الذين رغم كل ما حصل ويحصل فيه من كوارث اجتماعية ومالية واقتصادية وصحية نرى ان الغريزة الطائفية والمذهبية والمناطقية لا تزال تتحكم بمعظم الأحيان لدى عدد كبير من اللبنانيين الذين اعمت ابصارهم تلك الغريزة اللعينة فيتبعون الحكام والزعماء والوزراء والنواب والأحزاب «على عماها» مصفقين مهللين «بالدم بالروح نفديك يا فلان». 

بالله عليكم ما هي اسرار هذه الخلطة الغريبة العجيبة التي يتكون منها هذا البلد، بدءاً من حكامه وسياسيه ومصرفييه وزعاماته واحزابه وتياراته السياسية ومشاربه الطائفية والمذهبية على انواعها وكيف ومتى سيأتي الخلاص من هذه المحن والكوارث التي تكاد تشكل زلزالا اجتماعياً واقتصادياً اشبه ما يكون «بقنبلة هيروشيما» او زلزال المرفأ في ٤ آب ٢٠٢٠ الى ما هنالك من زلازل اخرى تسجل على مقياس ريختر.

اما المضحك المبكي في كل ما تقدم ان نرى وزيراً من هنا ووزيراً من هناك يتقاذفون التهم بشأن صفقة الرمان الملغومة وكل يقذف الكرة الى ملعب الأخر محملاً اياه مسؤولية التقصير او الإهمال او عدم المراقبة بشأن ما حصل او...

بالله عليكم عن اي بلد يتحدث الطامحون بتشكيل حكومة جديدة اياً يكن عدد افرادها ١٨ او ٢٤ تكنو سياسية او اخصائيين لا بأس مع ما يتبع ذلك من خلافات على تقاسم الحصص والمغانم وتوزيع الحقائب الوزارية كل على قياسه ووفق شروطه وتطلعاته و«مزراب الذهب» الذي تستند اليه هذه الحقيبة او تلك وكل ذلك يجري دون اي حياء او خجل وعلى عينك يا تاجر، ولا يخجلون حتى من انفسهم واسرهم وناسهم ومن المرآة التي ان وقفوا امامها ونظروا من خلالها الى عيونهم ووجوههم الكالحة لوجدوا انهم اقرب الى «اللصوصية» وكل ما يرتبط بمكامن الفساد فيما هم هم بات جلدهم كالتماسيح وعقولهم المتحجرة اشبه بأكواز من الرمان «المخدر» اما قلوبهم فلم ولن تكون يوماً على لبنان وشعبه انما على ثرواتهم واموالهم المكدسة في مصارف الخارج وعلى ما سيتركونه من ميراث مسروق ومنهوب واموال وعقارات لزوجاتهم وابنائهم واحفادهم واحفاد احفادهم الذين وان تنعموا بمثل تلك الثروات الى حين لكن الاشارة اليهم بالإصبع والحديث عنهم وعن فسادهم باللسان يبقى هو الأهم زد على ذلك ان لعنة الوطن والمواطن الشريف كما لعنة التاريخ لن ترحمهم ولن ترحم سلالاتهم «اباً عن جد» وحتى يأتي ذاك اليوم لا بد ان تأتي موجات اخرى من جراد من نوع آخر قد لا يترك لهم حتى ما يسدون به رمقهم وقد يستخدمون القانون والعرف الإنساني والاخلاقي لكي يعيد الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة وجنى عمر المودعين الى اصحابها الشرعيين وعندها لا ولن تنفع تغريدات وتصريحات وصيحات الفاسدين الذين سيقفون حتماً على رصيف الوطن دون ان يكترث لهم احداً او يمد لهم يد العون والمساعدة وكل منهم في حينه «بدو يكون مكتف» حتى يأتي التدقيق الجنائي ويكشف المستور ويسمي الجميع بأسمائهم دون خوف او وجل او حتى من دون تردد وعندها فقط يصح فعلاً وقولاً كلمات الرحابنة نعم «بهالبلد كل شي بيصير» ويصح ايضاً قول شوشو بالحس والدليل القاطع للقول عنهم بالتحديد انهم «الشحادين يا بلدنا».