بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 شباط 2023 12:00ص تحالفات سياسية قامت ثم تلاشت.. جبهة الخلاص الوطني وحوار سويسري (8)

98 يوماً على الشغور الرئاسي.. هل يصل الترياق الباريسي اليوم؟

رفيق الحريري رفيق الحريري
حجم الخط
96 يوما على الشغور الرئاسي في لبنان، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق قريبا، وفيما لم تسفر الجلسات الانتخابية الـ11 عن أي نتيجة، تستمر الحكومة الميقاتية الثالثة التي تعتبر مستقيلة منذ بدء ولاية مجلس نواب 2022 في 22 أيار الفائت في مهام تصريف الأعمال، في وقت يواصل الدولار ألاعيبه وتحليقه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، فيتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي كان يطلق عليه «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، وفي المفارقات الرئاسية منذ أول رئيس استقلالي، انه كانت تقوم مع كل رئيس جديد تكتلات وجبهات سياسية وحزبية جديدة ، وتختفي أخرى.
واليوم تتسلط العيون على باريس حيث يعقد اجتماع فرنسي - أميركي - سعودي - قطري - مصري، بمشاركة مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد بخاري، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية السفير علاء موسى والسفير نزيه النجاري، ونائب وزير الخارجية القطري السفير منصور العتيبي. وسيكون طبق اللقاء واقع الحال في لبنان، فهل يصل الترياق الباريسي لرسم خريطة طريق لخروج بلد الأرز من النفق الرئاسي المظلم؟
بأي حال، فإن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، وبالتالي سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، فيما تتواصل معه مرارات اللبنانيين التي باتت تطال كل تفاصيل حياتهم اليومية، وخصوصا الصحية والاجتماعية والتربوية والاستشفائية والدوائية والغذائية، إضافة الى النور وحركة النقل، لكن ثمة سؤال يبقى يلحُّ في خاطر اللبنانيين عن كيفية ولادة تجمعات وتكتلات أو أحلاف سياسية في كل فترة زمنية ثم لا تلبث أن تذهب الى التلاشي والإختفاء. فماذا في تحالفات ولقاءات قامت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982؟

نهاية الحركة الوطنية
كانت الحركة الوطنية اللبنانية مع بدء فترة الثمانينيات من القرن الماضي أخذت تفقد الكثير من دورها، وما لبثت أن حلّت فعلياً مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وقد نعاها رئيسها وليد جنبلاط، وتفرّق الرفاق، بينما وثّق جنبلاط تحالفه مع حركة «أمل» ورئيسها نبيه برّي. بعد انتصاره في «حرب الجبل» عام 1983، ثم كانت حرب بيروت التي تم ربطها مع الضاحية بالجبل. ثم ما لبثا أن تقاتلا في شوارع العاصمة تارة باسم «حرب العلمين»، وطوراً بأسماء مختلفة.
17 أيار والمتاعب
بشكل عام، في 28 كانون الأول 1982، وبعد مضي 96 يوماً على تسلّم الرئيس أمين الجميّل مهامه الدستورية وقيامه بتحرك واسع كان أبرزه زيارته الى الولايات المتحدة الأميركية واجتماعه مع الرئيس رونالد ريغان، بدأت المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية برعاية أميركية في خلدة ونتانيا. وبعد 35 جولة من المفاوضات تدخّل وزير الخارجية الأميركية جورج شولتز فكان اتفاق «السلام» المزعوم بين لبنان وإسرائيل فأقرّه مجلس الوزراء اللبناني في 14 أيار 1983 وفي 16 أيار أقرّه مجلس النواب بأكثرية 80 نائباً ومعارضة النائبين نجاح واكيم وزاهر الخطيب، وفي اليوم نفسه، أقرّه الكنيست الإسرائيلي بأكثرية 75 صوتاً وامتناع 45 ومعارضة 6، وفي 17 أيار وقّع رؤساء الوفود اللبناني والإسرائيلي والأميركي الاتفاق باللغات الثلاث: العربية والعبرية والانكليزية.
جبهة الخلاص الوطني
منذ ذلك التاريخ بدأت المتاعب الفعلية واندلعت حرب الجبل التي شهدت أوسع عملية تدمير وتهجير، وعلى الاثر تحركت المبادرات الخارجية لوقف القتال. وفي 26 أيلول قدم الرئيس شفيق الوزان استقالة حكومته، وفي الوقت الذي أعلن فيه وليد جنبلاط من دمشق نص وقف إطلاق النار في حضور وزير الخارجية عبد الحليم خدام والأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز. في ظل هذه التطورات والحملات الإعلامية بين جبهة الخلاص الوطني وحركة «أمل» من جهة والحكم في لبنان من جهة ثانية، يذكر هنا أن جبهة الخلاص الوطني كانت قد أعلنت في تموز 1983، من كل من الرئيسين سليمان فرنجية ورشيد كرامي ووليد جنبلاط، وضمت شخصيات لبنانية كبيرة من مناطق وطوائف ومشارب سياسية مختلفة اجتمعت حول رفض الاتفاق والمحافظة على وحدة وعروبة لبنان، وتطوير الصيغة السياسية فيه. أيضا كانت سوريا في ذلك الوقت في هذا الموقع، وكان الخطر داهما عليها لأن الاحتلال الإسرائيلي وقف عند نقطة معينة لكن عمليا كان ثمة حصار لسوريا بعد أن أصبح الإسرائيلي على مقربة من دمشق بمعركة السلطان يعقوب والتوقف هناك.
وفي ظل تبادل واشنطن ودمشق الاتهامات، وقع في 22 تشرين الأول تفجير مجموعتين انتحاريتين مقر قيادة المارينز الأميركية، ومبنى فرقة المظليين الفرنسي، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى من الجنود الأميركيين والفرنسيين.
عودة إلى الحوار الوطني
وهنا اتضح أمام الرئيس الجميل أنه لا مناص من بدء مسيرة الحوار التي دعت إليها السعودية، فاتصل بالرئيس حافظ الأسد وبالملك فهد بن عبد العزيز موجهاً إليهما الدعوة لحضور مؤتمر الحوار الوطني في جنيف الذي تقرر عقد أول اجتماعاته يوم 31 تشرين الأول بمشاركة: الرئيس أمين الجميل، كميل شمعون، سليمان فرنجية، عادل عسيران، صائب سلام، رشيد كرامي، بيار الجميل، نبيه بري، ووليد جنبلاط، وبمراقبة وفد سعودي برئاسة وزير الدولة السعودي محمد إبراهيم مسعود، وقوامه السفير السعودي في بيروت أحمد الكحيمي، ووفد سوري قوامه وزير الخارجية عبد الحليم خدام، بالإضافة الى رفيق الحريري. تركز البحث خلال المؤتمر على إلغاء اتفاقية 17 أيار كشرط لإنجاح الحوار اللبناني - اللبناني، لكن الرئيس أمين الجميل رأى أنه لا بديل عن الاتفاق بالنسبة الى لبنان في ظل الأوضاع الاقليمية والدولية السائدة. وبعد ثلاثة أيام أنهى المؤتمر أعماله بالاتفاق على هوية لبنان العربية وبفشل الاتفاق على إلغاء 17 أيار، ودعا البيان الختامي للمؤتمرين إلى الاستمرار في السعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، كما تقرر عقد الجلسة الثانية من الحوار في 14 تشرين الثاني، لكن الحلقة الثانية من هذا الحوار لم تعقد، فاستمرت الأوضاع الداخلية بالتصعيد فحدثت انتفاضة 6 شباط عام 1984 التي أخرجت الجيش من مواقعه في بيروت الغربية والضاحية، وعلى الأثر أعلن الرئيس الأميركي رونالد ريغان سحب وحدات المارينز وانسحبت وراءها الوحدات المتعددة الجنسيات. وفي 5 آذار، عقد مجلس الوزراء جلسة تقرر بموجبها إلغاء اتفاق 17 أيار واعتباره باطلاً وكأنه لم يكن، وبهذا الإلغاء أصبح الطريق مفتوحاً أمام جولة جديدة من الحوار الوطني والتي عقدت في 14 آذار 1984 في لوزان، حيث ركز المؤتمرون على وقف إطلاق نار فعلي وثابت وتأليف حكومة اتحاد وطني، وبعد بحث دام اسبوعاً لم يستطع المؤتمرون التوصل الى صيغة للإصلاح السياسي. وكل ما اتفق عليه كان تشكيل لجنة أمنية عليا برئاسة رئيس الجمهورية أنيط بها تنفيذ خطة أمنية لإقامة بيروت الكبرى وتشكيل هيئة تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد.
حكومة وحدة وطنية
في منتصف شهر نيسان 1984، وبعد زيارة الرئيس أمين الجميل الى دمشق اتفق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، فكانت هذه الحكومة برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي وعضوية كل من: كميل شمعون، عادل عسيران، سليم الحص، نبيه بري، وليد جنبلاط، بيار الجميل، جوزف سكاف، عبد الله الراسي، وفيكتور قصير. تعثرت انطلاقة الحكومة منذ بدايتها، ما أضطر الرئيسين الجميل وكرامي الى الاستعانة بدمشق التي وافقت على أن تقوم بدور المرجعية، فمالت الأمور نحو الحلحلة، وتقرر في 22 حزيران 1984 تعيين قائد جديد للجيش هو الجنرال ميشال عون، بدلاً من العماد إبراهيم طنوس، كما تقرر فتح مطار بيروت الدولي بعد توقف دام نحو 160 يوماً.
(يتبع)